عنوان الكتاب: شرح الأربعين النووية

وزعمت "القدرية" أنَّ الله تعالى لم يقدّر الأشياء في القدم، ولا سبق علمه بها، وأنَّها مستأنفة، وأنَّه تعالى يعلمها بعد وقوعها، وكذبوا على الله سبحانه وتعالى جلَّ عن أقوالهم الكاذبة وتعالى علواً كبيراً، وهؤلاء انقرضوا وصارت "القدرية" في الأزمان المتأخرة يقولون: الخير من الله والشر من غيره، تعالى الله عن قولهم، وصحّ عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((القدرية مجوس هذه الأمة))[1]. سمّاهم "مجوساً" لمضاهاة مذهبهم مذهب المجوس، وزعمت "الثنوية" أنَّ الخير من فعل النور والشر من فعل الظلمة فصاروا "ثنوية"، كذلك "القدرية" يضيفون الخير إلى الله والشر إلى غيره وهو تعالى خالق الخير والشر.

قال إمام الحرمين في كتاب "الإرشاد": إنَّ بعض "القدرية" تقول: لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم أخبار القدر، وردّ على هؤلاء الجهلة بأنَّهم يضيفون القدر إلى أنفسهم، ومن يدعي الشر لنفسه ويضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يضيفه لغيره وينفيه عن نفسه.

قوله عليه السلام: (فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)، وهذا مقام المشاهدة لأنَّ من قدر أن يشاهد الملك استحى أن يلتفت إلى غيره في الصلاة وأن يشغل قلبه بغيره ومقام الإحسان مقام الصديقين وقد تقدّم في الحديث الأول الإشارة إلى ذلك.

قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: (فَإِنَّهُ يَرَاكَ) غافلاً إن غفلت في


 



[1]       "سنن أبي داود"، كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، ر:٤٦٩١، ٤/٢٩٤.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

151