عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

وأنِلْنا هذِه البُغْيَةَ, ولا تُضْحِنا [1] عنْ ظِلِّكَ السّابِغِ, ولا تجْعَلْنا مُضغَةً [2] للماضِغِ, فقدْ مدَدْنا إليْكَ يدَ المسْألَةِ [3], وبخَعْنا بالاسْتِكانَةِ لكَ والمَسْكَنةِ, واستَنْزَلْنا كرَمَك الجَمّ [4], وفضْلَكَ الذي


 



[1] قوله: [ولا تضحِنا...إلخ] أي: اللّهمّ! لا تُبعِدنا عن رحمتك الواسعة, من ½ضحى للشمس¼ إذا ظهر لها وبرز, وضاحية كلِّ شيء ناحيتُه البارزة, ومنه ½فعَل ذلك ضاحيةً¼ أي علانيةً, وإنما عدي ½أضحى¼ بـ½عن¼ على طريقة التضمين, كأنه قيل: لا تخرجنا عنه, والظلّ هنا مستعار للرحمة والقرينة الصارفة عن إرادة المعنى الحقيقي عقليٌّ وهو أنَّ الله تعالى منزّهٌ عن الظلِّ, وإنما قرن بالإضحاء هنا طلباً للملائمة؛ لأنه يقال في المجاز: ½شجرة ضاحية بالظلِّ¼ وهي التي لا ظلَّ لها, و½ضحى ظلُّه¼ إذا مات, وفي الدعاء: ½لا أضحى الله ظلَّك¼, ولهذا دخل كلامُه في باب التمثيل والتخييل. (المطرّزي, المصباحي)

[2] قوله: [ولا تجْعَلْنا مُضغَةً...إلخ] ½المضغة¼ القطعة من اللحم قدر ما يُمضَغ, و½الماضغ¼ هنا العائب الآكل أعراض الناس, وجعل العرض حين يعيبه مضغة له, أي: ولا تجعلنا عُرضةً لاغتياب الناس. وفي قوله: ½ولا تجعلنا مضغة¼ تشبيه بليغ, كأنه أخذ هذا المعنى من قوله عزّ وجلّ: ﴿ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ [الحجرات:١٢] وبين المضغة والماضغ صنعة اشتقاق. (الشريشي, المصباحي)

[3] قوله: [فقدْ مدَدْنا إليْكَ يدَ المسْألَةِ...إلخ] أي بسطنا, وبابه ½نصَر¼, و½المسئلة¼ الحاجة والفقر, و½بخعنا¼ أقررنا, تقول: ½بخع بالحقّ¼ يبخع بخوعاً, إذا أقرّ به, و½بخع نفسه¼, قتلها غيظا, ومنه: ﴿فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ [الكهف:٦] و½الاستكانة¼ التضرّع والتذلّل, وفي التنزيل العزيز: ﴿فَمَا ٱسۡتَكَانُواْ لِرَبِّهِمۡ [المؤمنون:٧٦], و½المسكنة¼ الفقر والذلّة, ومعناه: بسطنا إليك يد السؤال وأقررنا بالخضوع والتذلّل إقرار مذعن بالغ جهدَه في الإذعان. (مغاني, الشريشي)

[4] قوله: [واستَنْزَلْنا كرَمَك الجَمّ...إلخ] أي: طلبنا نزولَه, و½الاستنزال¼ السؤال بتلطّف, و½الجمّ¼ الكثير, ومنه قوله تعالى: ﴿وَتُحِبُّونَ ٱلۡمَالَ حُبّٗا جَمّٗا[الفجر:٢٠], أي: كثيراً, و½فضلك¼ إحسانك, وفي نسخة: ½منّك الذي عمّ¼ و½المن¼ العطاء, يقال: منّ عليه منًّا أي: أنعم عليه, ومن صفات الله تعالى ½المنان¼ وهو المعطي ابتداءً, و½عمّ¼ شمَل, و½الضراعة¼ هي الذلّ وشدّة الفقر والحاجة إلى الشيء, يقال: ½ضَرَع فلانٌ لفلانٍ¼ إذا تخشّع له وسأله أن يعطيه, و½الضارع¼ الخاضع المتذلل, وأصله من ½الضرَع¼ بفتحتين وهو الضعيف النحيف و½البِضاعَة¼ طائفة من المال تبعث للتجارة, وفي التنزيل: ﴿وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةٗۚ[يوسف:١٩], و½الأمل¼ الرجاء, يقول: إنّ تجارتنا التي نحصل بها منك إحسانك رجاؤنا وتوكُّـلُنا عليك. (مغاني, الشريشي, الرازي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132