عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

أمْلِكُ بُلْغَةً, ولا أجِدُ في جِرابي مُضْغَةً, فطَفِقْتُ أجوبُ طُرُقاتِها [1] مِثلَ الهائِمِ, وأجولُ في حَوْماتِها جَوَلانَ الحائِمِ, وأرُودُ في مَسارحِ لمَحاتي [2], ومَسايِحِ غدَواتي ورَوْحاتي, كريماً أُخْلِقُ لهُ ديباجَتي [3], وأبوحُ إلَيْهِ بحاجتي, أو أديباً تُفَرّجُ رؤيَتُه غُمّتي, وتُرْوي رِوايتُه غُلّتي, حتّى أدّتْني خاتِمَةُ المَطافِ [4], وهدَتْني فاتِحةُ الإلْطافِ إلى نادٍ رَحيبٍ, مُحتَوٍ على زِحامٍ ونَحيبٍ,


 



[1] قوله: [فطَفِقْتُ أجوبُ طُرُقاتِها...إلخ] ½طفقت¼ أخذتُ وجعلتُ, ومعناها ابتداء الفعل والدُّخول فيه, ومنه قوله تعالى: ﴿وَطَفِقَا يَخۡصِفَانِ عَلَيۡهِمَا مِن وَرَقِ ٱلۡجَنَّةِۖ[الأعراف:٢٢], و½أجوب¼ أقطع وأخرق, و½جوب الأرض¼ قطعها بالمشي, و½جُبتُ البلاد¼ أجوبها جوباً, أي: قطعتها سيراً, و½الهائم¼ الذاهب, وههنا هو من العشق, وقيل: المتحيّر, يقال: هام يهيم هيماً إذا ذهب على وجهه, و½أجول¼ أي: أطوف وأدور, و½حوماتها¼ جهاتها, و½الحائم¼ الطائر العاطش يحوم حول الماء, أي: يدور به, يقول: فجعلتُ أقطع مسافة الأرض كالحيران الذاهب على وجهه وأدور أطراف الصنعاء كالطائر العاطش يدور حول الماء. (مغاني, الشريشي)

[2] قوله: [وأرُودُ في مَسارحِ لمَحاتي...إلخ] ½أرود¼ أي: أطلب, مِن الرود, تقول: راد يَرود رَوْداً ورياداً, أي: طلب, و½المسرح¼ المرعى, و½لمَحات¼ جمع لمْحَة, وهي النظرة الخفيفة, ½ومسارح اللمحات¼ هي المواضع التي تجول فيها النظرات, و½المسايح¼ المواضع التي تسيح وتجري فيها, تقول: ساح يسيح سيحاً, إذا جرى على وجه الأرض, و½السِّياحة¼ ذَهاب الرجل في الأرض للعبادة والترهّب, والمراد به طرق التي يسير فيها بالمشي بالغدوّ والعشيّ, و½غدَوات¼ جمع ½غُدوة¼ وهي ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس, و½الروحات¼ جمع روحة وهي ما بين زوال الشمس إلى الليل, والمراد: السير في هذه الأوقات. (مغاني, الشريشي)

[3] قوله: [كريماً أُخْلِقُ لهُ ديباجَتي...إلخ] ½كريماً¼ مفعول ½أرود¼, يقال: ½خلِق الثوبُ¼ أي: بلي, وأخلق, وهو يتعدى ولا يتعدى, و½ديباج¼ الخدّ, وحسن بشرة الوجه, أي: أبذل له ماءَ وجهي وأسأله حاجتي, و½أبوح¼ أذكر, يقال: ½باح بِسِرّه¼ بوحاً, أي: أظهره, و½حاجتي¼ فقري, و½تفرّج¼ تَكشِف وتُزِيل, و½غُمّتي¼ كربتي وما يضيق نفسي, و½الغمّ¼ الكرب, ويقال: ½أمر غمّه¼ أي: مبهم ملتبس, قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ [يونس:٧١], و½أرواه¼ أي: أسقاه, و½غُلّتي¼, عطشي, يقول: أطلب في مواضع التي تجول فيها النظرات والطرق التي أسير فيها بالغدوّ والروحات كريماً أبذل له ماءَ وجهي بالمسألة وأذكره حاجتي, أو أديباً تكشف رؤيتُه عنّي كربتي وما يضيق نفسي وتروي روايتُه عطشي. (مغاني, الشريشي)

[4] قوله: [حتّى أدّتْني خاتِمَةُ المَطافِ إلخ] ½أدّتْني¼ أي: أوصلتني, و½خاتمة المطاف¼ آخر المشي, و½هدتني¼ دلتني, و½الإلطاف¼ حسن السؤال وفاتحته, أراد به سؤالُك مَن تَلقَى في الطريق إذا دخلت بلداً غريباً, فإذا سألت بتلطّف أرشِدت بسرعة, فسؤالك هو الذي فتح لك الطريق, وعلى هذا فيكون ½فاتحة الإلطاف¼ من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف, و½لطف سؤال الرّجل¼ إذا رقّ لفظه ولم يكن فيه جفاء فتقبله القلوب, فـ½الإلطاف¼ مصدر ½ألطف¼, ويروى: ½الألطاف¼ جمع لطف وهو الرّفق, و½نادٍ¼ مجلس, و½رحيب¼ واسع, وهو فعيلٌ من ½رحُب¼, وفي التنزيل: ﴿وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ[التوبة:٢٥], و½محتو¼ مشتمل, و½نحيب¼ رفع الصوت بالبكاء, يقول: حتّى أوصلتني خاتمة المشي ودلتني حسن السؤال إلى مجلس وسيع مشتمل على الوعظ والبكاء الشديدة. (الشريشي, المصباحي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132