عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

فوَلَجْتُ غابةَ الجمْعِ [1], لأسْبُرَ مَجْلَبَةَ الدّمْعِ, فرأيتُ في بُهْرَةِ الحَلْقَةِ شخْصاً [2] شخْتَ الخِلْقَةِ, عليْهِ أُهْبَةُ السّياحَةِ, وله رنّةُ النِّياحَةِ, وهو يطْبَعُ الأسْجاعَ بِجَواهِرِ لفظِهِ [3], ويقْرَعُ الأسْماعَ


 



[1] قوله: [ولَجتُ غابةَ الجمْعِ...إلخ] أي: دخلتُ, ولَج يلِج ولوجاً, إذا دخل, و½غابة الجمع¼ وسط الناس, وأصل الغابة الشجر الكثير الملتفّ يغيب فيه من يدخله, وقيل: هي مأخوذة من الغيابة, وهي كلُّ ما سترك من شيء, والجمع غيابات, والغابة من الرماح: ما طال منها, شبّه وقوفَهم عليه بالغابة التي تكثر أشجارها, و½لأسبُر¼ أي: أختبر, و½مجلبة الدمع¼ ما يحمل عليه ويجلبه, كقوله صلّى الله عليه وسلّم: ((إنَّ الوَلَدَ مَبخَلة مَجبَنة)). أي: الولد يحمل الإنسان على البخل والجبن, والمراد: دخلتُ بين الناس لأجرّب وأعرف ما الذي أبكاهم وجلب دموعهم, ويروى: ½مَحْلبة¼ بالحاء, وهي من الحلب, يقال: ½انحلب عينه¼ إذا سالت بالدمع. (مغاني, الشريشي)

[2] قوله: [فرأيتُ في بُهْرَةِ الحَلْقَةِ شخْصاً...إلخ] بُهرة كل شيء, وسطُه, و½الحلقة¼ -بسكون اللام- كل شيء نافذ مستدير, و-بفتح اللام- جمع ½حالق¼, مثل كافِر وكفَرة, و½الشخت¼ هو الدقيق من كلّ شيء, و½الشَّخْت مِن الرجال¼، وهو الدقيق النحيف مِن الأصل لا مِن الهُزال, و½الأهبة¼ العُدّة, والهيئة, و½ساح في الأرض¼ سياحةً, أي: ذهب فيها للعبادة, و½أهبة السياحة¼ آلة العبادة, وهي مثل العصا وركوَة الماء وثياب الصوف وغير ذلك, و½الرَّنة¼ الصوت الذي فيه حزن, تقول: ½رنَّت المَرأةُ¼ تَرِنّ رَنيناً, أي: صاحت بحزن, وقيل: الصوت الذي فيه النياحة والبكاء, وقيل: ما يذكر من الكلام في ندب الميت. (مغاني, الشريشي بزيادة)

[3] قوله: [وهو يطْبَعُ الأسْجاعَ بِجَواهِرِ لفظِهِ...إلخ] ½الأسجاع¼ جمع سجع, وهو الكلام المنثور والمقفّى, و½الجوهر¼ كلُّ حجر يُستَخرَج منه شيءٌ يُنتفَع به, وهو فارسيٌّ معرّب, الواحدة ½جَوهَرةٌ¼ و½جوهرُ كلِّ شيء¼ خيارُه, وأيضاً ما طبعت عليه جبلّته, و½يطبع الأسجاع¼ أي: يرتبها ويصنعها, تقول: ½طبعت الدرهم والسيف¼ إذا صنعتهما, و½طبعت الكتاب¼ إذا ختمتَه, وفي الحديث: ((يُطبَع المؤمنُ على الخِلال كلِِّها إلاّ الخِيانة والكذب)), وهذا المعنى أليَق بـ½طبع الأسجاع¼ أي: يزيّنها ويختمها بجواهر كلامه, ومن روى: ½لجواهر¼ باللام فعلى ½يصنعها¼ لا غير, و½يقرع¼ يضرب, و½الأسماع¼ الآذان, و½زواجر¼ جمع زجر, وهو المنع والنهي, و½الوعظ¼ النصح والتذكير بالعواقب, وقيل: هو التخويف, والإضافة بيانية, يصنع كلامه مزينا بخيار كلامه المُسجَّع والمُقفّى ويقرع أذن السامعين بوعظه الزاجر. و½السجع¼ توافق الفاصلتين -و½الفاصلتان¼ الكلمتان الأخيرتان من الفقرتين- في الحرف الأخير, وهو على ثلاثة أنواع: الأول "السجع المطرّف", وهو الذي اختلفت الفاصلتان في الوزن دون التقفية, نحو: ﴿مَّا لَكُمۡ لَا تَرۡجُونَ لِلَّهِ وَقَارٗا [١٣] وَقَدۡ خَلَقَكُمۡ أَطۡوَارًا[١٤][نوح:١٣-١٤], فإنّ ½وقاراً¼ و½أطواراً¼ يختلفان في الوزن, والثاني "السجع المتوازي" وهو الذي اتّفقت الفاصلتان في الوزن والتقفية, نحو: ﴿ فِيهَا سُرُرٞ مَّرۡفُوعَةٞ[١٣] وَأَكۡوَابٞ مَّوۡضُوعَةٞ[١٤][الغاشية:١٣-١٤], والثالث "السجع المرصّع" وهو ما اتّفقت جميع كلمات الفقرتين أو أكثرهما في الوزن والتقفية, نحو قول الحريري: وهوَ يطْبَعُ الأسْجاعَ بِجَواهِرِ لفظِهِ, ويقْرَعُ الأسْماعَ بزَواجِرِ وعْظِهِ. (الشريشي, الرازي بزيادة, المصباحي, صـ٢٠)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132