عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

فابْتَدَر أحدُ مَنْ حضَرَ [1], وقال: أعرِفُ بيْتاً لمْ يُنسَجْ على مِنْوالِهِ, ولا سمَحَتْ قَريحةٌ بمِثالِهِ, فإنْ آثَرْتَ اختِلابَ القُلوبِ [2], فانْظِمْ على هذا الأسْلوبِ, وأنْشَدَ:

فأمطَرَتْ لُؤلؤاً مِن نرْجِسٍ وسقَتْ

 

ورْداً وعضّتْ على العُنّابِ بالبَرَدِ [3]

فلم يكُنْ إلا كلَمْحِ البَصَرِ [4] أو هُوَ أقرَبُ, حتى أنْشَدَ فأغْرَب:

سألتُها حينَ زارَتْ نَضْوَ بُرْقُعِها الـ

 

قاني وإيداعَ سمْعي أطيَبَ الخبَرِ [5]


 

 



[1] قوله: [فابْتَدَر أحدُ مَنْ حضَرَ...إلخ] ½ابتدر¼ أي: سبق بالكلام وبادر به, و½النَّسْج¼ ضم الشيء إلى الشيء, و½نسج الشعر¼ إنشاده, و½المِنوال¼ الخشبة التي يلفّ الحايك عليها الثوب, ويقال للأشياء المتساوية: ½هي على منوال واحدٍ¼, و½سمحت¼ جادت, و½القريحة¼ جَوْدة الطبع, وقيل: الذَّكاء والفِطْنة, والمعنى: أنّ البيت رفيع الصنعة في الشعر, لم يصنع ولم ينظم بيت مثله. وهو استعارة, وذلك أنّ الثوب إذا كان نفيسا رفيعاً لم ينسج على منواله ما كان دونه ولا ما كان دون ناسجه ينسج على منواله أيضاً, وصنعة الشعر تشبه نسج الثوب. (الشريشي, الرازي)

[2] قوله: [فإنْ آثَرْتَ اختِلابَ القُلوبِ...إلخ] ½آثرت¼ اخترتَ وفضّلتَ, و½الاختلاب¼ الخديعة باللسان, و½انظم¼ قُل شعراً منظوماً, و½الأسلوب¼ الطريقة, يقول: فإن اخترت إمالة قلوب الناس إليك بتصديقك وانخداعك بما تبديه فقل شعراً منظوماً على طريقة هذا الشعر. (الشريشي بزيادة)

[3] قوله: [فأمطَرَتْ لُؤلؤاً مِن نرْجِسٍ...إلخ] ½اللؤلؤ¼ كناية عن الدمع, و½النرجس¼ عن العين, و½الورد¼ عن الخدّ, و½العناب¼ عن الأصابع المخضوبة بالحناء, و½البرد¼ عن الأسنان, يعني: أمطرتْ دمعاً مثل اللؤلؤ من عين كالنرجس فسقتْ به خدًّا في حسن الورد ولطافته وعضّت بأسنان مثل البرد في صفائها أناملها المخضبة كالعنّاب الأحمر. (مغاني, العكبري)

[4] قوله: [كلَمْحِ البَصَرِ...إلخ] يعني نظر العين إلى الشيء بسرعة ثم تغيب عنه بسرعة, وأصل البصر الإدراك بالعين, و½أغرب¼ أي: أتى بالغريب في انشاده, يقول: لم يكن الوقت بعد هذا القول إلاّ مثل وقت لمح البصر أو أقلّ منه حتّى أنشد السروجي هذين البيتَين. (الشريشي, المصباحي)

[5] قوله: [نَضْوَ بُرْقُعِها...إلخ] ½نضو¼ النزع والخلع, يقال: ½نضى ثوبه¼ أي: خلعه, و½البرقع¼ النقاب, و½القاني¼ الأحمر, يقال: ½قنأ الشيء¼ إذا اشتدّ حمرته, و½إيداع سمعي¼ إعطاء أذني, كأنه جعله وديعة عنده, يعني: سألتها أنْ تكلّمي بأطيب الكلام وتسمعنيه. (مغاني, الشريشي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132