عنوان الكتاب: جد الممتار على رد المحتار (المجلد الأول)

وكان رحمه الله تعالى جعل وقت التأليف والتحرير في الليل فلا ينام منه إلاّ ما قلّ، وجعل النهار للدروس وإفادة التلامذة والمستفتين، وكان في رمضان يختم كلّ ليلة ختماً كاملاً مع تدبّر معانيه وكثيراً ما يستغرق ليله بالبكاء والقراءة ولا يدع وقتاً من الأوقات إلاّ وهو على طهارة ويثابر الوضوء على الوضوء، وكان حريصاً على إفادة الناس وجبر خواطرهم مكرّماً للعلماء والأشراف وطلبة العلم ويواسيهم بماله وكان كثير التصدّق على ذوي الهيآت من الفقراء الذين ﴿لَا يَسۡ‍َٔلُونَ ٱلنَّاسَ إِلۡحَافٗا﴾ [البقرة: ٢٧٣] وكان مهاباً مطاعاً نافذ الكلمة عند الحكّام وأعيان الناس يأکل من مال تجارته بمباشرة شريكه مدّة حياته، وكان ورِعاً تقيّاً زاهداً في الدنيا حتّى أنّه عرض عليه خمسون كيساً من الدراهم لأجل فتوى على قول مرجوح فردّها ولم يقبل.

وكان رحمه الله تعالى طويل القامة، أبيض اللون ذا هيبة ووقار، جميل الصورة حسن السريرة، يتلألأ وجهه نوراً، وكان مجلسه مشتملاً على الآداب وحسن المنطق، حتّى من اجتمع به لا ينساه؛ لطلاوة كلامه ولين جانبه وتمام تواضعه على الوجه المشروع كلّ من جالسه يقول في نفسه: أنا أعزّ عنده من ولده، لا تخلو أوقاته من الكتابة والإفادة والمراجعة للمسائل الشرعيّة، وكان مغرماً بتصحيح الكتب والكتابة عليها فلا يدع شيئاً من قيل أو اعتراض أو تنبيه أو جواب إلاّ ويكتبه على الهامش، وقلّ أن تقع واقعة مهِمّة أو مشكلة مدلهِمّة إلاّ ويستفتي فيها مع كثرة العلماء الكبار والمفتين في كلّ مدينة، وكانت أعراب البوادي في بلده إذا وصلت إليهم فتاواه لا يختلفون فيها مع جهلهم بالشريعة المطهّرة، وما كتب لأحد شيئاً إلاّ وانتفع به لصدق نيّته


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

568