الصحابية هند بنت عتبة رضي الله عنها | أم حيان العطارية


نشرت: يوم الخميس،20-يوليو-2023

الصحابية هند بنت عتبة رضي الله عنها

هي هند بنت عُتْبَةَ، أمّ سيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، وزوجة سيدنا أبي سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنهما، كانت السيدة هندٌ امرأةً قويةً، فذَّةً في الجاهلية والإسلام، وكان لها أثر قويّ في عداوتها الإسلامَ والمسلمين في الجاهلية، ثم بعد ذلك فتحَ الله على قلبها فأسلمَتْ وحَسُنَ إسلامها، أعلنت السيدة هندٌ إسلامَها عامَ الفتح، وأتتْ النبيّ ﷺ مع وفد النساء للمبايعة وهي تغطّي وجهَها؛ لكيلا يعرفَها رسولُ الله ﷺ؛ وذلك بسبب مواقفِها السابقة المعاديةِ للإسلام والمسلمين، فخافت من المحاسبة، ولم تكن تعلم أن الإسلام يجُبُّ ما قبله، فلا يُحاسب المرء على أفعاله قبل الإسلام.

إتيانها الرسول ﷺ للمبايعة:

عندما أتتْ السيدة هند عند الرسول ﷺ للمبايعة، كانت تتكلّم بلسان النساء وتنوبُ عنهنّ لما لها من قوة وجرأة، فعرفها النبي ﷺ وقال لها: أنت "هند بنت عتبة"؟ فقالت: أنا هند بنت عتبة، فاعفُ عمّا سبق عفا الله عنك، فرحّب بها النبي ﷺ، مع أنها كانت من أشدِّ الأعداء لرسول الله ﷺ، وكانتِ الداعمَ الأكبرَ والسبب الأولَ لمقتلِ سيدنا حمزةَ بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، ومع ذلك عفا عنها رسولُ الرحمة الذي قال الله تعالى فيه:

وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧

فالرسول الكريم ﷺ قَبِل إسلامَها ولم يُوجِّهْ لها حتى كلمة عتابٍ ولوم، هكذا كان قلبه الشريف ﷺ، لا يعرف الحقد، سليم الصدر، يعفو ويرحم، فالنبي الكريم ﷺ لم يحاسب هندًا رضي الله تعالى عنها ولا غيرَها من المسلمين على ذنوبٍ اقترفوها قبل الإسلام

* السيدةُ هندٌ رضي الله تعالى عنها ووقعة اليرموك:

أسلمت السيدة هند رضي الله عنها وحَسُن إسلامها قبل وقعة اليرموك، فشهدتِ الوقعةَ مسلمةً مع زوجِها، وكانت لها مواقفُ مشرِّفةٌ فيها، فكانت من المحرّضين على قتال الروم

* السيدة هند رضي الله عنها الأمّ الْمُربّيةُ والْمُؤثّرة:

كانتِ السيدة هندٌ رضي الله عنها إلى جانبِ شخصيتها القويةِ أُمًّا، والأمّ هي المربّية وهي المؤثّرة على تكوين شخصية أولادها ذكورًا كانوا أو إناثًا، وقد أثّرت شخصيةُ السيدة هندٍ رضي الله تعالى عنه في تربية ابنِها سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه تأثيرًا واضحًا، فقد ورد أنّ سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه كان رجلاً سياسيًّا ذكيًّا داهيةً، وسبب ذلك ما تلقّاه من حسن التربية والتنشئة، وقد ورد أنّ سيدنا أبا سفيان -رضي الله تعالى عنه- كان يذهبُ إلى دار الندوةِ الذي تجتمع فيه ساداتُ قريش قبلَ الإسلام لبحثِ الأمورِ المهمة، وكان يصطحب معه ابنَه سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه، وفي إحدى المرّات شارك سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه -وهو ابنُ سبعِ سنين- في الحوار وأبدى تعليقًا ذكيًّا فأبهر ساداتِ قريش، وذات يومٍ نظر سيدنا أبو سفيان رضي الله تعالى عنه إلى ابنِهِ معاوية رضي الله تعالى عنه وهو غلامٌ فقال: إنّ ابني هذا لعظيمُ الرأسِ، وإنّه لخَلِيقٌ أن يسودَ قومَه، فقالت سيدتُنا هندٌ رضي الله تعالى عنها: قومَهُ فقط، ثكلته إن لم يَسُدِ العربَ قاطبةً

فهكذا كانت السيدة هندٌ رضي الله تعالى عنه تربّي ولدها على القيادة والرِّياسة مُنذ الصغر، وهذا شأن الأمهات اللواتي يكتبْنَ التاريخَ في أبنائهن، فقد كانت الشجاعةُ والقوة تجري مجرى الدم في سيدتِنا هندٍ رضي الله عنها، فربَّت أولادَها على ذلك، ولذلك كرّم الإسلام الأمهاتِ وجعل لهنّ مرتبةً عظيمةً ومقامًا رفيعًا، فالأمهات هنّ صانعاتُ الرجال، فكم من أمٍّ فقدت زوجَها وربّتْ أولادَها بمفردها، وكم من أمٍّ عظيمةٍ خلّد التاريخ ذكرَها، كأمِّ الإمامِ البخاريِّ، وأمِّ الإمامِ مالكٍ، وأمِّ الإمامِ الشافعيِّ، وأمِّ الإمامِ أحمدَ بنَ حنبلٍ رحمه الله تعالى، فهؤلاء الأئمةُ جميعًا توفّيت آباؤهم في صغرهم، وتولّتْ أمهاتُهم أمرَ تربيتِهم، فأنشأْنَ أولادَهنّ نشأةً صالحةً خلّد التاريخُ ذكرَها، ونحنُ نروي قصص هؤلاء النساء كي تتأسّى بهنّ نساءُ المسلمين اليومَ، فالمرأة شأنُها عظيمٌ، وهي من تتولّى أمرَ تربيةِ أولادِها، وهي التي تكون مع أولادِها غالبَ الوقت، ولهذا تأثير الأمّ أقوى من الأب دائمًا، فالأمّ لها رتبةٌ عاليةٌ في الإسلام، وفي عهدِ النبوة كانَ للصحابيّاتِ دورٌ كبير في العلم والتربية وحتى في الجهادِ في سبيل الله.

* صبرها عند وفاة أولادها:

اشتُهرتِ السيدة هندٌ رضي الله عنها بذكائِها وحكمتها وفصاحتها، فكانت أديبةً بليغةً، ورد عنها الشعرُ والنثرُ، وورد عنها أنّها كانت صابرةً محتسبةً، ومن مواقفِ صبرِها ما وقعَ لها في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من موتِ ابنِها "يزيد" بالطاعون، فعندما ذهب سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لتعزيتها وجدَها صابرةً محتسبةً تقول: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون"

فضائلها ومناقبها رضي الله عنها:

من فضلها ومناقبها رضي الله عنها أنها نزل فيها قوله تعالى:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ١٢

نزلت هذه الآيةُ فيها وفي أخواتِها من النساءِ اللواتي بايعنَ النبيّ ﷺ بعدَ الفتح.

ومما وردَ في فضلِها وكرمِها وتكريمِ النبيِّ ﷺ لها أنَّها أهدَتْ للنبيِّ ﷺ جَدْيَيْنِ واعتذرتْ من قلّةِ ولادةِ غنمها، فدعا لها رسولُ اللهِ ﷺ بالبركة في غنمها، فكثُرَ غنمُها ببركة دعاء النبي ﷺ، فكانت تعطي وتهبُ منها وتقول: هذا من بركة رسولِ الله ﷺ، فالحمدُ لله الذي هدانا للإسلام

مواقفها في خلافة سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه:

ورد أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه نهى سيدَنا أبا سفيانَ زوجَ السيدةِ هندٍ رضي الله تعالى عنهما عن رشِّ باب منزله حتى لا ينزلقَ الحجّاجُ الذين يمرّون أمامه، فلم يمتنعْ سيدنا أبو سفيان رضي الله تعالى عنه عن رشِّ الماء، فمرّ سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ذاتَ يومٍ أمامَ منزله فانزلقَ بسببِ رشِّ أبي سفيان رضي الله تعالى عنه للماء، فقال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه لسيدنا أبي سفيان رضي الله تعالى عنه: ألم أنهَكَ أن تفعلَ هذا؟ فوضع سيدُنا أبو سفيان رضي الله تعالى عنه يدَهُ على فمِه؛ وهذا بمعنى الاعتذار منه، فقال سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه: الحمد لله الذي جعلني آمُرُ أبا سفيان فيعملُ ما آمُرُه به، فسمعتْهُ السيدةُ هندٌ رضي الله تعالى عنه فقالت: أحمده يا عمر! فإنك إن تحمَدْهُ فقد أُوتِيتَ عظيمًا

انتقالها من الدنيا الفانية إلى الآخرة الباقية:

تُوفّيت رضي الله تعالى عنه في خلافة سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، في السنة الرابعة عشرة للهجرة النبوية الشريفة، في نفسِ اليومِ الذي مات فيه أبو قحافة والدُ سيدِنا أبي بكرٍ الصديقِ رضي الله عنهما


#مركز_الدعوة_الاسلامية
#مركز_الدعوة_الإسلامية
#الدعوة_الإسلامية
#مجلة_نفحات_المدينة
#نفحات_المدينة

تعليقات



رمز الحماية