من فضائل ونفحات شعبان | الشيخ علاء زيات


نشرت: يوم الخميس،11-مايو-2017

من فضائل ونفحات شعبان

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد:

فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم

شهر شعبان من الشهور المباركة الكريمة، فيه نفحات طيبة من الله تعالى تهيء نفوسنا لاستقبال شهر القرآن شهر رمضان المبارك..

يذكر العلماء أن سبب تسمية شهر شعبان بهذا الاسم: لأنه يتشعب منه خير كثير، وقيل: معناه شاع وبان، وقيل: من الشَّعبِ وهو طريق الجبال فهو طريق الخير، وقيل غير ذلك...

قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:

{إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدا} الجامع الصغير للسيوطي.

إن من القواعد المقررة عند العلماء: أن الزمان يشرُفُ بما يقع فيه من أحداث هامة، فهي التي تعطيه قيمته، وبفضلها يكون فضله، وكلما كان ارتباط الناس بالحادثة قوياً وتأثرهم بها عظيماً؛ كان ارتباطهم وتأثرهم بالزمان الذي وقعت فيه بنفس القوة... ومن هنا

يجب أن نعلم أن المقصود هو ربط الأمة بالتاريخ، وتعميق مفهوم إحساسهم وشعورهم الديني بالوقائع والحوادث الدينية... وحديثنا عن شهر شعبان ينطبق عليه الكلام السابق، فقد وقع فيه أحداث تستحق الوقوف عليها:

أولاً: تحويل القبلة:

يقول الشيخ العلامة محمد علوي المالكي رحمه الله تعالى)[1](:

كان في شهر شعبان تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المطهرة، وقد كان صلى الله عليه وسلم ينتظر ذلك برغبة قوية، ويقوم في كل يوم مقلباً وجهه في السماء، يترقب الوحي الرباني حتى أقر الله عينه وأعطاه مناه، وحقق مطلوبه بما أرضاه، ونزل قول الله تعالى:

قَدْ نَـرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِـكَ فِي السَّـمَاءِ ۖ فَـلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَـةً تَـرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (البقرة: 144)

وهو مصداق قوله تعالى:

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ (الضحى: 5)

ويتحقق فيه قول السيدة عائشة رضي الله عنها له:

((ما أرى ربك إلا يسارع في هواك)).

رواه البخاري، وهو صلى الله عليه وسلم لا يرضى إلا بما يرضى به الله.

وقال أبو حاتم البستي رحمه الله تعالى:

(صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً وثلاثة أيام سواء، وذلك أن قدومه المدينة كان يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وأمره الله عز وجل باستقبال الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان) .[2]

ثانياً: رفع الأعمال:

جاء في حديث عن سيدنا أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلتُ:

يا رسولَ اللهِ... لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ؟! قال: ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم والحديث رواه المنذري في الترغيب والترهيب، والنسائي، وهو صحيح.

فهذا الحديث يدل على شرف شعبان، وما له من مكانة عند الله تعالى، قد عرف قدرها حبيبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونبهنا أن الناس عنه غافلون...

ثالثاً: تقدير الأعمار:

يقول العلامة الشيخ محمد بن علوي المالكي رحمه الله تعالى: وفي شهر شعبان تقدر الأعمار، والمقصود إظهار هذا التقدير وإبرازه، وإلا فإن أفعال الحقِّ سبحانه وتعالى لا تقيد بزمان ولا مكان((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)).

وقد جاء في الحديث عن السيدة عائشة رضي الله عنها

أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، قالت: قلت يا رسول الله! أحبُّ الشهور إليك أن تصومه شعبان!؟ قال: ((إن الله يكتب فيه على كلِّ نفس ميِّتةٍ تلك السنة، فأحبُّ أن يأتيني أجلي وأنا صائم)) رواه أبو يعلى، وهو غريب، وإسناده حسن.

رابعاً: شهر الصلاة على الحبيب:

فمن أهم فضائل شهر شعبان المبارك أن آية الأمر بالصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نزلت فيه:

فقد نقل الإمام شهاب الدين القسطلاني في (المواهب) قولاً لبعض العلماء: بأن شهر شعبان شهر الصلاة عليه

صلى الله تعالى عليه وسلم، لأن نزلت فيه قوله تعالى:

((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) (الأحزاب 56)

وقد ذكر الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى، عن أبي ذر الهروي: أن الأمر بالصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان في السنة الثانية من الهجرة، وقيل في ليلة الإسراء.

ختاماً:

لابد لنا أن نعرف أنه: لما كان شعبان كالمقدّمة لرمضان فإنه يكون فيه شيء مما يكون في رمضان، من: الصيام وقراءة القرآن والصدقة...

وهذا هو الحال مع سماحة الشيخ محمد الياس العطار القادري حفظه الله تعالى حيث أنه يرغب الناس والدعاة الحاضرين في مذاكرة المدينة إلى الصيام والقيام.. بل وحتى مشاهدي قناة مدني، فيرغبهم إلى التفرغ الكلي والاستعداد لاغتنام مواسم الطاعات المقبلة، كما كان حال السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، فإن من مقاصد التذكير بفضائل الأشهر والمناسبات: أن نشجع الناس وندعوهم إلى فضائل الأعمال فيها، وندعوهم للسفر في سبيل الله مع قوافل المدينة، والاجتهاد في العبادات استعداداً لاستقبال شهر رمضان المبارك، فإن السفر مع قوافل المدينة له نفحات وفوائد عدة، خاصة عندما يكون الإخوة الدعاة على قلب واحد...

نسأل الله تعالى أن يوفقنا للقيام بحق هذا الشهر العظيم، ويبارك لنا في شعبان، ويبلغنا رمضان، إنه سميع قريب..

وصلى الله تعالى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،

والحمد لله رب العالمين...

[1] : ماذا في شعبان محمد علوي المالكي صـ 10

[2] : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 2/150

تعليقات



رمز الحماية