عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

الشّرْعِ, ومَنْ نقَدَ الأشْياءَ بعَينِ المعْقولِ [1], وأنْعَمَ النّظَرَ في مَباني الأصولِ, نظَمَ هذِه المَقاماتِ في سِلْكِ الإفاداتِ, وسلَكَها مسْلَكَ الموْضوعاتِ [2] عنِ العَجْماواتِ والجَماداتِ, ولمْ يُسْمَعْ


 



[1] قوله: [ومَنْ نقَدَ الأشْياءَ بعَينِ المعْقولِ...إلخ] ½نقد الشيء¼ فتّشه, وهو مِن ½نقَد الدراهم¼ إذا فتّشها وأخرج الرديّ منها, و½المعقول¼ العقل, يقال: ½ما له معقول¼ أي: ما له عقل, وهو أحد المصادر التي جاءت على مفعول, و½أنعم النظر¼ أي: أتمّه وبالغ فيه, وكأنه مقلوب ½أمعن¼, و½النظر¼ من نظر القلب, وهو الفكر, و½المباني¼ جمع مبنى, وأصل ½النظم¼ جعلُ حبّات الجوهر في خيطِها وضمُّها فيه لغيرها, ثمّ سُمِّي بيتُ الشعر نظماً؛ لأنّ الكلام فيه مُلتصِق بعضه ببعض كحبّ الجَوهَر والبيتُ يضمّه كالخَيط, و½السِّلك¼ خيط الجوهر, و½الإفادات¼ الفوائد, معناه: من نظر بعين التعقّل في هذه المقامات وتأمَّل هذه الكلمات ينبغي أن يستفيد من أسرارها ويستضيء بأنوارها, ويرتوي من عذوبة ألفاظها ويلتوي عند صعوبة وعظها, ويقبَل رموز نصائحها ويقبِل على كنوز مصالحها ويحفظ من فِقَرها وغررها ويلقط نكتها ودُررها. (مغاني, الشريشي, الرازي)

[2] قوله: [وسلَكَها مسْلَكَ الموْضوعاتِ...إلخ] و½سَلَك¼ لازم ومتعدّ, قال الله تعالى: ﴿مَا سَلَكَكُمۡ فِي سَقَرَ[المدثر:٤٢] أي: ما أدخلكم النار, و½المسلك¼ موضع السلوك, و½الموضوعات¼ الكتب المؤلفة, وأراد بذلك كتاب "الاختراع" وكتاب "كَلِيلَة ودِمْنَة", وما وضع فيه على ألسنة الحيوانات اللاتي لا نطق لها, و½العجماوات¼ جمع عجماء وهي البهيمة, وأصله من ½العُجمة¼ وهي الإبهام والخَفاء؛ وإنما سمّيت عجماء؛ لأنّ صوتَها لا يفهم منه معنى, وقيل: لأنها لا تتكلّم, وكلّ ما لا يقدر على الكلام فهو أعجم, و½الجمادات¼ جمع ½جماد¼, وهو ما لا نَفْسَ له, وهو ممّا جمع بالألف والتاء وهو مذكّر, والمعنى: وأدخل هذه المقامات مدخل الكتب التي وضع فيها وافتري وحكي عن البهائم التي لا نطق لها, ولا حقيقة لذلك الحكايات في الظاهر, وقد ضُمِّن الحِكَم الشافية في الباطن, مثل ما حكي عن الأسد والذئب وغيرها مما في كتاب "كلِيلة ودِمنة" وفي كتاب "الاختراع", فكذلك المقامات, وإن كان ظاهرها كذباً فالقصد بها تمرين الطالب وتهذيبه وتذكية عقله, وأن يكتسب تجارب الدّنيا من حكايات السَّروجي, فيكون متنبّهاً لما يطرأ عليه من النوازل, فتؤمن على عقله الغفلة والخديعة, إلى ما يضاف إليه من تعليم صنعة الكتابة والشعر, فإنها أعون شيء عليها. (مغاني, الشريشي, الرازي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132