عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

بمَنْ نَبا سمْعُهُ عنْ تِلكَ الحِكاياتِ [1], أو أثّمَ رُواتَها في وقْتٍ من الأوْقاتِ, ثمّ إذا كانَتِ الأعْمالُ بالنِّيّاتِ [2], وبها انْعِقادُ العُقودِ الدِّينِيّاتِ, فأيُّ حرَجٍ على مَنْ أنْشأ مُلَحاً للتّنْبيهِ [3], لا للتّمويهِ, ونَحا به منحَى التّهْذيبِ, لا الأكاذيبِ, وهلْ هُوَ في ذلِك إلاّ بمنزِلَةِ مَنِ انتَدَبَ


 



[1] قوله: [ولمْ يُسْمَعْ بمَنْ نَبا سمْعُهُ عنْ تِلكَ الحِكاياتِ...إلخ] الباء في ½بمن¼ زائدة, كما في قوله تعالى: ﴿مَّا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِيٓ ءَابَآئِنَا ٱلۡأَوَّلِينَ[المؤمنون:٢٤], على ما ذكره الواحدي في "البسيط", وتقديره: ولم يسمَع خبرُ مَن نبا؛ لأنّ الرجل لا يُسمَع, و½نبا¼ تجافى وباعد, تقول: ½نبا بصَري وسَمعي عن كذا¼ إذا لم يوافقك وكرهتَه, وقيل: أصله من ½نبا السيف¼ إذا لم يعمل في الضريبة ولم يؤثر فيها, و½أثّمه¼ حكم عليه بالإثم, يقال: ½أثِم الرجل¼ -بكسر الثاء- إذا وقع في الإثم, فهو آثم وأثيم, و½أثّمه¼ أي: قال له: ½أثمتَ¼, والمعنى: لم يُسمع بمن أعرض عن تلك الحكايات وأبى قبولَها أو سَماعَها تورُّعاً وتجنّباً عن سَماع المفتَرَيات. قال العبد الضعيف: إنما لا يؤثّم راوي الكذب إذا لم يعلم أنه كذب, أما إذا علم الراوي أنّ ما يرويه كذب فهو آثم؛ لقوله: صلى الله عليه وسلّم: ((من حدّث عنّي حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)). (مغاني, الرازي)

[2] قوله: [ثمّ إذا كانَتِ الأعْمالُ بالنِّيّاتِ...إلخ] هذا حديث صحيح, عن عمر بن الخطاب, قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات)) ومعنى النية قصدُك الشيء بقلبك وتجري الطلب منك له, وقيل: النية عزيمة القلب, ويقال: أصل النية الطلب, ولم يُرد في الحديث أعيان الأعمال؛ لأنها حاصلة حسًّا وعيانا بغير نية, وإنما المعنى: أنّ صحة الأحكام الأعمال الدينية إنما تقع بالنية, وأنّ النية هي الفاصلة بين ما يصحّ منها عبادةً وبين ما لا يصحّ. قوله: ½العُقودِ الدِّينِيّاتِ¼ هي أنواع العبادات التي لا تصحّ إلاّ بالنية مثل الصوم والصلاة. (مغاني)

[3] قوله: [فأيُّ حرَجٍ على مَنْ أنْشأ مُلَحاً للتّنْبيهِ...إلخ] ½حرج¼ الضيق والإثم, قال الله تعالى: ﴿لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ[الفتح:١٧] أي: ضيق في ترك الجهاد, ومعناه: الإثم, و½مَلَّحَ الشاعرُ¼ إِذا أَتى بشيء مَلِيح, و½المُلْحَةُ¼ -بالضم- واحدة المُلَحِ مِن الأَحاديث, و½للتنبيه¼ أي: لينبّه به الغافلَ الذهنِ فيجعله حاضرَ الخاطِر, يقال: ½نبّهته على الشيء¼ إذا أوقفته عليه ورفعته من الخمول, يقال: ½موّهتُ عليه الحديث¼ أي: جعلتُ عليه ماءً ونضارةً حتّى قبله, مِن ½موهت الشيء¼ إذا طليته بماء الذهب أو الفضّة وتحت ذلك نحاس أو حديد؛ ليُظَنّ أنه ذهبٌ أو فضّة, ثمّ نُقل إلى كلِّ تزوير وتلبيس, و½التمويه¼ التلبيس, هو إلباس صورةٍ حسنةٍ لشيء قبيح, و½نحا¼ أي: قصد, و½المنحى¼ المقصد, و½التهذيب¼ التلخيص, و½هذّبت الطالب¼ أخرجته وخلّصته, و½رجُل مهذّب¼ مخلّص من العيوب, و½الأكذوبة¼ الكذب, والجمع أكاذيب, (مغاني. الشريشي بزيادة)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132