عنوان الكتاب: المقامات الحريرية

ولا استُـعِـيـذَ مِـنْ حَسودٍ راشِقِ [1]

 

وشـرّ مـا فـيــهِ مــنَ الـخـلائِــقِ

أنْ لَـيـسَ يُغْـنـي عنْكَ في المَضايِقِ

 

إلاّ إذا فـــــرّ فِـــــرارَ الآبِــــــقِ [2]

واهــاً لـمَـنْ يـقْـذِفُـه مـنْ حـالِــقِ

 

ومَـنْ إذا نـاجـاهُ نجْـوى الوامِـقِ [3]


 

 



[1] قوله: [ولا استُعِيذَ مِنْ حَسودٍ راشِقِ] ½استعيذ¼ ماض مبني للمجهول, أي: طلب الإعاذة, قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ[النحل:٩٨], و½حسود¼ صيغة مبالغة, وقليله كثير, ولذلك أتى بهذه الصيغة, وأراد: من شرّ حسود, و½راشق¼ عائن, وأصله الرامي, فجعله للذي يصيب الناسَ بعينه, يعني: يصيبه بعينه, والمعنى: لو لم يكن الدينار لم يكن حاسد ولا حسدُه فلم يحتج أحدٌ إلى طلب العياذ دفعاً لحسده. (الجوهرية, المصباحي)

[2] قوله: [وشرّ ما فيهِ منَ الخلائِقِ...إلخ] ½شرّ¼ مبتدأ, وهو مضاف, و½ما فيه¼ مضاف إليه, و½ما¼ موصولة أو نكرة موصوفة, ويرجع الضمير إلى الدينار, و½من الخلائق¼ مبيّن لـ½ما¼, وهو جمع خليقة وهي الخصلة والطبيعة, و½أن ليس¼ خبرٌ, و½أن¼ مخففة من الثقيلة, و½يغني عنك¼ أي: ينفعك, و½عنك¼ فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب, و½المضائق¼ الأماكن الضيقة, ½الآبق¼ الهارب, يعني: ومن شرّ ما في الدينار من الخصائص والطبائع أن لا ينفعك ولا يغني عنك شيئًا إلاّ في وقت فرّ فيه منك؛ لأنّ مِن شرّ عادات الذهب أنه لا يوصلك إلى بُغيَتك وأنِيسِك إلاّ بعد أن يخرج مِن كِيسِك. قال الحسن البصري: ½بئس الرفيقان الدينار والدرهم لا ينفعانك إلاّ إذا فارقانك¼, وهذا كما ترى مدح بما يشبه الذمّ؛ إذ هروبه في موضع المضائق وإن كان ذمًّا لكن ذهابه لمصلحة صاحبه وإثبات غنائه عنه في وقت فراق مدح له, فإنّ محصله أنه يغني صاحبه إذا فرّ منه في وقت ضيقه. (مغاني, الجوهرية)

[3] قوله: [واهاً لمَنْ يقْذِفُه منْ حالِقِ...إلخ] ½واها¼ كلمة تعجب من طيب كلّ شيء, وهي من الأسماء التي تعمل عمل الفعل في معرض الأمر كعلم وجهل, و½يقذفه¼ أي: يرميه ويلقيه, و½الحالق¼ الجبل المرتفع, والظاهر أنه المراد هنا, وقيل: الجبل الذي لا نبات فيه, فهو فاعل بمعنى مفعول كأنه حُلِق من النبات, و½من إذا ناجاه¼ معطوف على ½من يقذفه¼, و½ناجاه¼ حدّثه سرًّا, و½النجوى¼ السرار, وهي المناجاة, وهو اسم يقوم مقام المصدر, وهو منصوب المحل بـ½ناجا¼, قال الله تعالى: ﴿ وَإِذۡ هُمۡ نَجۡوَىٰٓ[الإسراء:٤٧], و½الوامق¼ المحبّ العاشق, وخصّ

العاشق بذلك؛ لأنّ سرّه خَفيٌّ فهو بالتخصيص حَريٌّ, يقول: عجبا لمَن يرمي الدينار من جبل عال بحيث لا يرجع إليه, مبالغةً في تركه والتباعد عنه؛ إذ لا خير فيه, ولِمَن إذا حدّثه سرًّا سرارَ المُحبّ العاشق, والمراد بالمناجاة لازمها وهو القرب, كما يدلّ عليه السياق, فإنه يقضي به حاجته وينال به مراده, والأوّل يحبّ فراقه والثاني يحبّ إشرافه. (الجوهرية بزيادة)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

132