عنوان الكتاب: كتاب الآداب من رياض الصالحين

قَوْلُه: "وَجَّهَ" بفتحِ الواوِ وتشديد الجيمِ. أيْ: تَوَجَّهَ. وَقَوْلُه: "بِئْر أَرِيْسٍ" هُوَ بفتح الهمزة وكسرِ الراءِ وبعدها ياءٌ مثناة من تحت ساكِنة ثُمَّ سِين مهملة وَهُوَ مصروف ومنهم من منع صرفه، وَ"القُفُّ" بضم القاف وتشديد الفاءِ: وَهُوَ المبنيُّ حول البئر. قَوْلُه: "عَلَى رِسْلِك" بكسر الراء عَلَى المشهور، وقيل: بفتحِهَا، أيْ: ارفق.

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا قُعُوداً حَوْلَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَمَعَنَا أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما في نَفَرٍ، فَقَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ أظْهُرِنَا فَأبْطَأ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا[1] وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أبْتَغِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أتَيْتُ حَائِطاً[2] للأنصَارِ لِبَني النَّجَارِ، فَدُرْتُ بِهِ[3] هَلْ أجِدُ لَهُ بَاباً؟ فَلَمْ أجِدْ! فَإذَا رَبيعٌ يَدْخُلُ في جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَهُ -وَالرَّبِيعُ: الجَدْوَلُ الصَّغِيرُ- فَاحْتَفَزْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ؟ فقلتُ: نَعَمْ، يَا رسول اللهِ، قَالَ: مَا شأنُكَ؟ قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأبْطَأتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا، ففزعنا، فَكُنْتُ أوّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأتَيْتُ هَذَا الحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، وهؤلاء النَّاسُ وَرَائِي. فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيرَةَ وَأعْطَانِي نَعْلَيْهِ، فَقَالَ: اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ الله مُسْتَيْقِناً بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ....[4] وَذَكَرَ الحديثَ بطوله، رواه مسلم.


 



[1]     أى يصاب بمكروه من عدو اما بأسر واما بغيره. (نووي)

[2]     أى بستانا وسمى بذلك لأنه حائط لا سقف له. (نووي)

[3]     أي بحول الحائط قائلا في نفسي هل أجد له بابا أدخل منه. (مرقاة المفاتيح)

[4]     إفادات: ففيه جلوس العالِم لأصحابه ولغيرهم من المستفتين وغيرهم يعلمهم ويفيدهم ويفتيهم، وفيه بيان ما كانت الصحابة رضى الله عنهم عليه من القيام بحقوق رسول الله صلى الله عليه و سلم وإكرامه والشفقة عليه والانزعاج البالغ لما يطرقه صلى الله عليه و سلم وفيه اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم والاعتناء بتحصيل مصالحه ودفع المفاسد عنه وفيه جواز دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضى ذلك لمودة بينهما أو غير ذلك، وهذا غير مختص بدخول الأرض بل يجوز له الانتفاع بأدواته وأكل طعامه والحمل من طعامه إلى بيته وركوب دابته ونحو ذلك من التصرف الذى يعلم أنه لا يشق على صاحبه، وفيه إرسال الإمام والمتبوع إلى أتباعه بعلامة يعرفونها ليزدادوا بها طمأنينة، وفيه جواز إمساك بعض العلوم التى لا حاجة إليها للمصلحة أوخوف المفسدة. (نووي)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

122