عنوان الكتاب: كتاب الآداب من رياض الصالحين

رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً[1] فَقَدِمَتْ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَلَسَ في المَجْلِسِ الَّذِي يَجْلِسُ فِيهِ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِهِ: لَوْ رَأيْتَنَا حِيْنَ التَقَيْنَا نَحْنُ وَالعَدُوُّ، فَحَمَلَ فُلانٌ وَطَعَنَ، فَقَالَ: "خُذْهَا مِنِّي، وَأنَا الغُلاَمُ الغِفَاريُّ"، كَيْفَ تَرَى في قَوْلِهِ؟ قَالَ: مَا أرَاهُ إِلاَّ قَدْ بَطَلَ أجْرُهُ. فَسَمِعَ بِذلِكَ آخَرُ، فَقَالَ: مَا أرَى بِذلِكَ بَأساً، فَتَنَازَعَا حَتَّى سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: سُبْحَانَ الله؟ لاَ بَأسَ أنْ يُؤجَرَ وَيُحْمَدَ فَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاء سُرَّ بِذلِكَ، وَجَعَلَ يَرْفَعُ رَأسَهُ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ: أنْتَ سَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُول الله؟ فيقول: نَعَمْ، فما زال يُعِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى إنّي لأَقُولُ لَيَبْرُكَنَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ[2]، قَالَ: فَمَرَّ بِنَا يَوْماً آخَرَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ، قَالَ: قَالَ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: المُنْفِقُ عَلَى الخَيْلِ كَالبَاسِطِ يَدَهُ بالصَّدَقَةِ لاَ يَقْبضُهَا، ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوماً آخَرَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعنَا وَلاَ تَضُرُّكَ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: نِعْمَ الرَّجُلُ خُرَيمٌ الأسَديُّ! لولا طُولُ جُمَّتِهِ[3] وَإسْبَالُ إزَارِهِ! فَبَلَغَ ذَلِكَ خُرَيْماً فَعَجَّلَ، فَأَخَذَ شَفْرَةً فَقَطَعَ بِهَا جُمَّتَهُ إِلَى أُذُنَيْهِ، وَرَفَعَ إزارَهُ إِلَى أنْصَافِ سَاقَيْهِ. ثُمَّ مَرَّ بِنَا يَوْماً آخَرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْداء: كَلِمَةً تَنْفَعُنَا وَلاَ تَضُرُّكَ، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: إنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إخْوانِكُمْ، فَأصْلِحُوا رِحَالكُمْ، وَأصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ[4] حَتَّى تَكُونُوا كَأنَّكُمْ شَامَةٌ[5] في النَّاسِ؛ فإِنَّ الله لاَ


 



[1]   بفتح فكسر فتشديد التحتية: هي قطعة من الجيش يبعثها الإمام إلى العدو. (دليل الفالحين)

[2]   مبالغة في التواضع كما هو شأن المتعلم بين يدي المعلم. (دليل الفالحين)

[3]   بضم الجيم وتشديد الميم: وهي الشعر إذا طال حتى بلغ المنكبين وسقط عليهما. (دليل الفالحين)

[4]   أي ملبوسكم بتحسينه وتنظيفه وتطييبه. (فيض القدير)

[5]   بفتح فسكون وقد تهمز وتخفف وهي أثر يغاير لونه لون البدن يسمى خالا وأثرا، والمراد كونوا في أصلح زي وأحسن هيئة حتى تظهروا في الناس فيرونكم بالتوقير والإكرام والاحترام كما تستملحون الشامة لئلا تحتقروا في أعين العوام والكفار فيزدريكم أهل الجهل والضلال، فيندب تنظيف نحو الثوب والعمامة والبدن وتحسينها لكن بلا مبالغة ولا مباهاة ولا إعجاب، وفيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يتجنب كل ما يزدري ويحتقر لأجله الإنسان لا سيما ولاة الأمور والعلماء. (فيض القدير)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

122