عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

وقال سعيد بن سويد: صلى بنا عمر بن عبد العزيز الجمعة ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إن الله قد أعطاك فلو لبست..؟ فنكس رأسه ملياً[1] ثم رفع رأسه فقال: إن أفضل القصد عند الجدة[2] وإن أفضل العفو عند القدرة.

وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَرَكَ زِيْنَةً لِلَّهِ وَوَضَعَ ثِيَاباً حَسَنَةً تَوَاضُعاً لِلَّهِ وَابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أََنْ يَدَّخِرَ لَهُ عَبْقَرِيَّ الْجَنَّةِ))[3].

فإن قلت: فقد قال عيسى عليه السلام: جودة الثياب خيلاء القلب. وقد سئل نبينا صلى الله عليه وسلم عن الجمال في الثياب هل هو من الكبر؟ فقال:

((لاَ وَلَكِنَّ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَغَمِصَ النَّاسَ))[4] فكيف طريق الجمع بينهما؟ فاعلم! أن الثوب الجديد ليس من ضرورته أن يكون من التكبر في حق كل أحد في كل حال وهو الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حال ثابت بن قيس إذ قال إني امرء حبب إلي من الجمال ما ترى؟ فعرف أن ميله إلى النظافة وجودة الثياب لا ليتكبر على غيره فإنه ليس من ضرورته أن يكون من الكبر، وقد يكون ذلك من الكبر كما أن الرضا بالثوب الدون قد يكون من التواضع وعلامة المتكبر أن يطلب التجمل إذا رآه الناس ولا يبالي إذا انفرد بنفسه كيف كان وعلامة طالب الجمال أن يحب الجمال في كل شيء ولو في خلوته وحتى في سنور داره فذلك ليس من التكبر.

فإذا انقسمت الأحوال نزل قول عيسى عليه السلام على بعض الأحوال على أن قوله: ½خيلاء القلب¼ يعني قد تورث خيلاء في القلب وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ½إنه ليس من الكبر¼ يعني أن الكبر لا يوجبه ويجوز أن لا يوجبه الكبر ثم يكون هو مورثا للكبر.

وبالجملة فالأحوال تختلف في مثل هذا، والمحبوب الوسط من اللباس الذي لا يوجب شهرة بالجودة ولا بالرداءة وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِى غَيْرِ سَرَفٍ وَلاَ مَخِيلََةٍ))[5] ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ))[6] وقال بكر بن عبد الله المزني: البسوا


 



[1]      أي زمانا (وساعةً). (اتحاف)

[2]      أي عند الغنى. (اتحاف)

[3]      كنز العمال ، كتاب الاخلاق ، الباب الاوّل في الاخلاق والافعال المحمودة ، الحديث :٥۷٤٦،  ۳/٥۱.

[4]      المسند للامام احمد بن حنبل،مسند الشاميين، حديث عقبة بن عامر االجهنی، الحديث:۱۷۳۷٤،٦/٣٣.

[5]      سنن ابن ماجة، كتاب اللباس، باب لبس ما شئت…الخ، الحديث:۳٦۰٥،٤/١٦٢.

       صحيح البخاری، كتاب اللباس، باب قول الله:قل من حرم زينة الله…الخ،٤،٤٥.

[6]      سنن الترمذي، كتاب الادب، باب ما جاء ان الله يحب…الخ، الحديث:۲۸۲۸،٤/ ۳۷٤.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178