عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

من أنت؟ أما أمك فأشتريتها بمائتي درهم وأما أبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثله. ورأى ابن عمر رجلاً يجر إزاره فقال: إن للشيطان إخواناً، كررها مرتين أو ثلاثاً ويروى أن مطرف بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب وهو يتبختر في جبة خز، فقال: يا عبدالله هذه مشية يبغضها الله ورسوله فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال: بلى أعرفك أولك نطفة مَذِرَة[1] وآخرتك جِيفة قَذِرَة[2] وأنت بين ذلك تحمل العذرة فمضى المهلب وترك مشيته تلك. وقال مجاهد في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ يَتَمَطَّىٰٓ[القيامة :٣٣] أي يتبختر.

وإذ قد ذكرنا ذم الكبر والاختيال فلنذكر فضيلة التواضع والله تعالى أعلم.

بيان فضيلة التواضع:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ))[3] وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَمَعَهُ مَلَكَانِ وَعَلَيْهِ حِكْمَةٌ يُمْسِكَانِهِ بِهَا فَإِنْ هُوَ رَفَعَ نَفْسَهُ جَبَذَاهَا ثُمَّ قَالاَ: اللَّهُمَّ ضَعْهُ وَإِنْ وَضَعَ نَفْسَهُ قَالاَ: اللَّهُمَّ ارْفَعْهُ))[4] وقال صلى الله عليه وسلم: ((طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ فِى غَيْرِ مَسْكَنَةٍ وَأَنْفَقَ مَالاً جَمَعَهُ فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذُّلِّ وْالْمَسْكَنَةِ ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ))[5] وعن أبي سلمة المديني عن أبيه عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا بقباء[6] وكان صائماً فأتيناه عند إفطاره بقدح من لبن وجعلنا فيه شيئًا من عسل فلما رفعه وذاقه وجد حلاوة العسل فقال: ((مَا هَذَا؟)) قلنا: يا رسول الله جعلنا فيه شيئًا من عسل فوضعه وقال: ((أَمَا إِنِّي لاَ أُحَرِّمُهُ وَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللهُ وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللهُ وَمَنِ اقْتَصَدَ أَغْنَاهُ اللهُ وَمَنْ بَذَّرَ أَفْقَرَهُ اللهُ وَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللهِ أَحَبَّهُ اللهُ))[7].

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في نفر من أصحابه في بيته يأكلون فقام سائل على الباب وبه زمانة[8] يتكره منها فأذن له، فلما دخل أجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذه ثم


 



[1]      أي متغيرة. (اتحاف)

[2]      الجيفة: جثة الميت، (القاموس المحيط) والقذرة: النتنة. (اتحاف)

[3]      صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب العفو والتواضح ، الحديث : ۲٥۸۸، ص:۱۳۹۷.

[4]      المعجم الكبير، الحديث :۱۲۹۳۹،  ۱۲/۲۱۸ مفهوماً.

[5]      شعب الإيمان ، باب في الزكاة...الخ ، الحديث :۳۳۸۸،  ۳/۲۲٥.

[6]      وهو على ميلين من المدينة من جهة الجنوب. (اتحاف)

[7]      موسوعة الامام ابن أبي الدنيا، كتاب التواضع والخمول ، الحديث :۷۷،٣/٥٥٢.

[8]      زمانة: مرض يدوم زماناً طويلاً. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178