عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

خرج إلى طرف النقصان فليرفع نفسه إذ ليس للمؤمن أن يذل نفسه إلى أن يعود إلى الوسط الذي هو الصراط المستقيم وذلك غامض في هذا الخلق وفي سائر الأخلاق. والميل عن الوسط إلى طرف النقصان وهو التملق أهون من الميل إلى طرف الزيادة بالتكبر كما أن الميل إلى طرف التبذير في المال أحمد عند الناس من الميل إلى طرف البخل، فنهاية التبذير ونهاية البخل مذمومان وأحدهما أقبح من الآخر. والمحمود المطلق هو العدل ووضع الأمور مواضعها كما يجب وعلى ما يجب كما يعرف ذلك بالشرع والعادة ولنقتصر على هذا القدر من بيان أخلاق الكبر والتواضع.

الشطر الثاني من الكتاب في العجب:

وفيه بيان ذم العجب وآفاته وبيان حقيقة العجب والإدلال وحدهما، وبيان علاج العجب على الجملة، وبيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه.

بيان ذم العجب وآفاته:

اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ﴿وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡ‍ٔٗا﴾ [التوبة:٢٥] ذكر ذلك في معرض الإنكار وقال عز وجل: ﴿وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ﴾ [الحشر:٢] فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم وقال تعالى: ﴿وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا﴾ [الكهف:١٠٤] وهذا أيضاً يرجع إلى العجب بالعمل وقد يعجب الإنسان بالعمل هو مخطئ فيه كما يعجب بعمل هو مصيب فيه.

وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ))[1] وقال لأبي ثعلبة حيث ذكر آخر هذه الأمة فقال: ((إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعاً وَهَوًى مُتَّبَعاً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِيْ رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ))[2].

وقال ابن مسعود: الهلاك في اثنتين القنوط والعجب وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمر، والقانط لا يسعى ولا يطلب، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وقد ظفر بمراده فلا يسعى فالموجود لا يطلب والمحال لا يطلب والسعادة موجودة في اعتقاد المعجب حاصلة له ومستحيلة في اعتقاد القانط فمن ههنا جمع بينهما وقد قال تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ﴾ [النجم:٣٢] قال ابن جريج معناه إذا عملت خيراً فلا تقل عملت. وقال زيد بن أسلم: لا تبروها أي لا تعتقدوا أنها بارة وهو معنى العجب.


 



[1]      شعب الإيمان، باب في الخوف من الله، الحديث:۷٤٥،١/٤٧١.

[2]      سنن أبي داود، اول كتاب الملاحم، باب الامر والنهي، الحديث:٤۳٤۱، ٤/١٦٤.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178