عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

بيان المتكبر عليه ودرجاته وأقسامه وثمرات الكبر فيه:

اعلم أن المتكبر عليه هو الله تعالى أو رسله أو سائر خلقه، وقد خلق الإنسان ظلوماً جهولاً فتارة يتكبر على الخلق وتارة يتكبر على الخالق فإذن التكبر باعتبار المتكبر عليه ثلاثة أقسام:

الأول: التكبر على الله وذلك هو أفحش أنواع الكبر ولا مثار له إلا الجهل المحض والطغيان مثل ما كان من نمروذ فإنه كان يحدث نفسه بأن يقاتل رب السماء، وكما يحكى عن جماعة من الجهلة، بل ما يحكى عن كل من ادعى الربوبية مثل فرعون وغيره فإنه لتكبره قال: ﴿أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ[النازعات:٢٤] إذ استنكف أن يكون عبداً لله ولذلك قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[المؤمن:٦٠] وقال تعالى: ﴿لَّن يَسۡتَنكِفَ ٱلۡمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبۡدٗا لِّلَّهِ وَلَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ٱلۡمُقَرَّبُونَۚ[النساء :١٧٢] الآية وقال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحۡمَٰنُ أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا [الفرقان:٦٠]. 

 القسم الثاني: التكبر على الرسل من حيث تعزز النفس وترفعها على الانقياد لبشر مثل سائر الناس وذلك تارة يصرف عن الفكر والاستبصار فيبقى في ظلمة الجهل بكبره فيمتنع عن الانقياد وهو ظان أنه محق فيه، وتارة يمتنع مع المعرفة ولكن لا تطاوعه نفسه للانقياد للحق والتواضع للرسل كما حكى الله قولهم: ﴿أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا [المؤمنون:٤٧] وقولهم: ﴿إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا[ابراهيم:١٠] ﴿وَلَئِنۡ أَطَعۡتُم بَشَرٗا مِّثۡلَكُمۡ إِنَّكُمۡ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ[المؤمنون:٤٧] ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَوۡ نَرَىٰ رَبَّنَاۗ لَقَدِ ٱسۡتَكۡبَرُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ وَعَتَوۡ عُتُوّٗا كَبِيرٗا [الفرقان:٢١] ﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ[الأنعام:٨] وقال فرعون فيما أخبر الله عنه ﴿أَوۡ جَآءَ مَعَهُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ مُقۡتَرِنِينَ[الزخرف:٥٣] وقال الله تعالى: ﴿وَٱسۡتَكۡبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ[القصص:٣٩] فتكبر هو على الله وعلى رسله جميعا قال وهب: قال له موسى عليه السلام: آمن ولك ملكك، قال: حتى أشاور هامان فشاور هامان فقال هامان: بينما أنت رب يعبد إذ صرت عبد تعبد فاستنكف عن عبودية الله وعن اتباع موسى عليه السلام.

 وقالت قريش فيما أخبر الله تعالى عنهم: ﴿لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ[الزخرف:۳۱] قال قتادة: عظيم القريتين هو الوليد بن المغيرة وأبو مسعود الثقفي، طلبوا من هو أعظم رياسة من النبي صلى الله عليه وسلم إذ قالوا غلام يتيم كيف بعثه الله إلينا؟ فقال تعالى: ﴿أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ[الزخرف:۳۲] وقال الله تعالى: ﴿لِّيَقُولُوٓاْ أَهَٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ[الأنعام:٥٣] أي استحقاراً لهم واستبعاداً لتقدمهم وقالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف نجلس إليك وعندك هؤلاء وأشاروا إلى فقراء المسلمين فازدروهم بأعينهم لفقرهم وتكبروا عن مجالستهم فأنزل الله


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178