عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

ويقول له: أنت مكد[1] ومسكين وأنا لو أردت لاشتريت مثلك واستخدمت من هو فوقك ومن أنت؟ وما معك؟ وأثاث بيتي يساوي أكثر من جميع مالك وأنا أنفق في اليوم ما لا تأكله في سنة، وكل ذلك لاستعظامه للغنى واستحقاره للفقر وكل ذلك جهل منه بفضيلة الفقر وآفة الغنى وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿فَقَالَ لِصَٰحِبِهِۦ وَهُوَ يُحَاوِرُهُۥٓ أَنَا۠ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالٗا وَأَعَزُّ نَفَرٗا [الكهف:٣٤] حتى أجابه فقال: ﴿إِن تَرَنِ أَنَا۠ أَقَلَّ مِنكَ مَالٗا وَوَلَدٗا (٣٩) فَعَسَىٰ رَبِّيٓ أَن يُؤۡتِيَنِ خَيۡرٗا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرۡسِلَ عَلَيۡهَا حُسۡبَانٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَتُصۡبِحَ صَعِيدٗا زَلَقًا (٤٠) أَوۡ يُصۡبِحَ مَآؤُهَا غَوۡرٗا فَلَن تَسۡتَطِيعَ لَهُۥ طَلَبٗا[الكهف:٣٩-٤١]  وكان ذلك منه تكبراً بالمال والولد ثم بين الله عاقبة أمره بقوله: ﴿يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُشۡرِكۡ بِرَبِّيٓ أَحَدٗا[الكهف:٤٢].

ومن ذلك تكبر قارون إذ قال تعالى إخباراً عن تكبره: ﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٖ[القصص:٧٩].

السادس: الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف.

السابع: التكبر بالأتباع والأنصار والتلامذة والغلمان وبالعشيرة والأقارب والبنين ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود وبين العلماء في المكاثرة بالمستفيدين.

وبالجملة فكل ما هو نعمة وأمكن أن يعتقد كمالاً وإن لم يكن في نفسه كمالاً أمكن أن يتكبر به حتى إن المخنث ليتكبر على أقرانه بزيادة معرفته وقدرته في صنعة المخنثين لأنه يرى ذلك كمالاً فيفتخر به وإن لم يكن فعله إلا نكالاً، وكذلك الفاسق قد يفتخر بكثرة الشرب وكثرة الفجور بالنسوان والغلمان ويتكبر به لظنه أن ذلك كمالاً وإن كان مخطئًا فيه.

فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض فيتكبر من يدلي بشيء منه على من لا يدلي به أو على من يدلي بما هو دونه في اعتقاده وربما كان مثله أو فوقه عند الله تعالى كالعالم الذي يتكبر بعلمه على من هو أعلم منه لظنه أنه هو الأعلم ولحسن اعتقاده في نفسه. نسأل الله العون بلطفه ورحمته إنه على كل شيء قدير.

بيان البواعث على التكبر وأسبابه المهيجة له:

اعلم أن الكبر خلق باطن وأما ما يظهر من الأخلاق والأفعال فهي ثمرة ونتيجة وينبغي أن تسمى تكبراً، ويخص اسم الكبر بالمعنى الباطن الذي هو استعظام النفس ورؤية قدرها فوق قدر الغير وهذا الباطن له موجب واحد وهو العجب الذي يتعلق بالمتكبر -كما سيأتي معناه- فإنه إذا أعجب بنفسه وبعلمه وبعمله أو بشيء من أسبابه، استعظم نفسه وتكبر.

وأما الكبر الظاهر فأسبابه ثلاثة: سبب في المتكبر، وسبب في المتكبر عليه، وسبب فيما يتعلق بغيرهما،


 



[1]      أي فقير. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178