عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

وكذلك تحاسد العالمين المتزاحمين على طائفة من المتفقهة محصورين إذ يطلب كل واحد منزلة في قلوبهم للتوصل بهم إلى أغراض له.

السبب السادس: حب الرياسة وطلب الجاه لنفسه من غير توصل به إلى مقصود وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون إذا غلب عليه حب الثناء واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر وفريد العصر في فنه وأنه لا نظير له، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك وأحب موته أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه في المنزلة من شجاعة أو علم أو عبادة أو صناعة أو جمال أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرد هو به ويفرح بسبب تفرده، وليس السبب في هذا عداوة ولا تعززاً ولا تكبراً على المحسود ولا خوفاً من فوات مقصود سوى محض الرياسة بدعوى الانفراد وهذا وراء ما بين آحاد العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس للتوصل إلى مقاصد سوى الرياسة. وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يؤمنون به خيفة من أن تبطل رياستهم واستتباعهم مهما نسخ علمهم.

السبب السابع: خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى، فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه يشق ذلك عليه، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس وإدبارهم وفوات مقاصدهم وتنغص عيشهم فرح به، فهو أبداً يحب الإدبار لغيره ويبخل بنعمة الله على عباده كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته ويقال: البخيل: من يبخل بمال نفسه. والشحيح: هو الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعمة الله تعالى على عباده الذين ليس بينه وبينهم عداوة ولا رابطة هذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفس ورذالة في الطبع عليه وقعت الجبلة ومعالجته شديدة لأن الحسد الثابت بسائر الأسباب أسبابه عارضة يتصور زوالها فيطمع في إزالتها، وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض فتعسر إزالته إذ يستحيل في العادة إزالته، فهذه هي أسباب الحسد وقد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم فيه الحسد بذلك ويقوي قوة لا يقدر معها على الإخفاء والمجاملة بل ينهتك حجاب المجاملة، وتظهر العداوة بالمكاشفة، وأكثر المحاسدات تجتمع فيها جملة من هذه الأسباب وقلما يتجرد سبب واحد منها.

بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والإخوة وبني العم والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه:

اعلم! أن الحسد إنما يكثر بين قوم تكثر بينهم الأسباب التي ذكرناها، وإنما يقوى بين قوم تجتمع جملة من هذه الأسباب فيهم وتتظاهر؛ إذ الشخص الواحد يجوز أن يحسد لأنه قد يمتنع عن


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178