عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

المرائي بتحسين الصلاة في الملأ دون الخلوة وكذلك الذي يعتاد إخراج الزكاة من الدنانير الرديئة أو من الحب الرديء فإذا اطلع عليه غيره أخرجها من الجيد خوفاً من مذمته، وكذلك الصائم يصون صومه عن الغيبة والرفث لأجل الخلق لا إكمالاً لعبادة الصوم خوفاً من المذمة فهذا أيضاً من الرياء المحظور لأن فيه تقديماً للمخلوقين على الخالق ولكنه دون الرياء بأصول التطوعات.

 فإن قال المرائي: إنما فعلت ذلك صيانة لألسنتهم عن الغيبة فإنهم إذا رأوا تخفيف الركوع والسجود وكثرة الالتفات أطلقوا اللسان بالذم والغيبة وإنما قصدت صيانتهم عن هذه المعصية فيقال له: هذه مكيدة للشيطان عندك وتلبيس وليس الأمر كذلك فإن ضررك من نقصان صلاتك وهي خدمة منك لمولاك أعظم من ضررك بغيبة غيرك فلو كان باعثك الدين لكان شفقتك على نفسك أكثر وما أنت في هذا إلا كمن يهدي وصيفة[1] إلى ملك لينال منه فضلاً وولاية يتقلدها، فيهديها إليه وهي عوراء[2] قبيحة مقطوعة الأطراف ولا يبالي به إذا كان الملك وحده، وإذا كان عنده بعض غلمانه امتنع خوفاً من مذمة غلمانه. وذلك محال بل من يراعي جانب غلام الملك ينبغي أن تكون مراقبته للملك أكثر.

 نعم للمرائي فيه حالتان: إحداهما أن يطلب بذلك المنزلة والمحمدة عند الناس وذلك حرام قطعاً. والثانية: أن يقول ليس يحضرني الإخلاص في تحسين الركوع والسجود ولو خففت كانت صلاتي عند الله ناقصة وآذاني الناس بذمهم وغيبتهم، فأستفيد بتحسين الهيبة دفع مذمتهم ولا أرجو عليه ثواباً فهو خير من أن أترك تحسين الصلاة فيفوت الثواب وتحصل المذمة فهذا فيه أدنى نظر. والصحيح أن الواجب عليه أن يحسن ويخلص فإن لم تحضره النية فينبغي أن يستمر على عادته في الخلوة فليس له أن يدفع الذم بالمراءاة بطاعة الله فإن ذلك استهزاء كما سبق.

الدرجة الثانية: أن يرائي بفعل ما لا نقصان في تركه ولكن فعله في حكم التكملة والتتمة لعبادته، كالتطويل في الركوع والسجود، ومد القيام وتحسين الهيئة ورفع اليدين، والمبادرة إلى التكبيرة الأولى وتحسين الاعتدال، والزيادة في القراءة على السور المعتادة، وكذلك كثرة الخلوة في صوم رمضان وطول الصمت وكاختيار الأجود على الجيد في الزكاة وإعتاق الرقبة الغالية في الكفارة وكل ذلك مما لو خلا بنفسه لكان لا يقدم عليه.


 



[1]      الوصيفة: أي الجارية بينة الوصافة والإيصاف والجمع الوصائف. (لسان العرب)

[2]      أي معيبة. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178