عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

الثاني: أنه أراد أن يسر به للاقتداء به أو لسرور آخر محمود مما ذكرناه قبل لا سروراً بسبب حب المحمدة والمنزلة بدليل أنه جعل له به أجراً ولا ذاهب من الأمة إلى أن للسرور بالمحمدة أجراً وغايته أن يعفى عنه، فكيف يكون للمخلص أجر وللمرائي أجران؟.

والثالث: أنه قال: أكثر من يروي الحديث يرويه غير متصل إلى أبي هريرة بل أكثرهم يوقفه على أبي صالح ومنهم من يرفعه فالحكم بالعمومات الواردة في الرياء أولى. هذا ما ذكره ولم يقطع به بل أظهر ميلاً إلى الإحباط.

 والأقيس عندنا أن هذا القدر إذا لم يظهر أثره في العمل بل بقي العمل صادراً عن باعث الدين وإنما انضاف إليه السرور بالاطلاع فلا يفسد العمل لأنه لم ينعدم به أصل نيته وبقيت تلك النية باعثة على العمل وحاملة على الإتمام.

وأما الأخبار التي وردت في الرياء فهي محمولة على ما إذا لم يرد به إلا الخلق، وأما ما ورد في الشركة فهو محمول على ما إذا كان قصد الرياء مساوياً لقصد الثواب أو أغلب منه، أما إذا كان ضعيفاً بالإضافة إليه فلا يحبط بالكلية ثواب الصدقة وسائر الأعمال ولا ينبغي أن يفسد الصلاة ولا يبعد أيضاً أن يقال: إن الذي أوجب عليه صلاة خالصة لوجه الله. والخالص ما لا يشوبه شيء، فلا يكون مؤدياً للواجب مع هذا الشوب والعلم عند الله فيه. وقد ذكرنا في كتاب الإخلاص كلاماً أوفى مما أوردناه الآن فليرجع إليه فهذا حكم الرياء الطارئ بعد عقد العبادة إما قبل الفراغ أو بعد الفراغ.

القسم الثالث: الذي يقارن حال العقد بأن يبتدأ الصلاة على قصد الرياء فإن استمر عليه حتى سلم فلا خلاف في أنه يقضي ولا يعتد بصلاته وإن ندم عليه في أثناء ذلك واستغفر ورجع قبل التمام ففيما يلزمه ثلاثة أوجه قالت فرقة: لم تنعقد صلاته مع قصد الرياء فليستأنف. وقالت فرقة: تلزمه إعادة الأفعال كالركوع والسجود وتفسد أفعاله دون تحريمة الصلاة لأن التحريم عقد والرياء خاطر في قلبه لا يخرج التحريم عن كونه عقداً. وقالت فرقة: لا يلزم إعادة شيء بل يستغفر الله بقلبه ويتم العبادة على الإخلاص والنظر إلى خاتمة العبادة كما لو ابتدأ بالإخلاص وختم بالرياء لكان يفسد عمله. وشبهوا ذلك بثوب أبيض لطخ بنجاسة عارضة فإذا أزيل العارض عاد إلى الأصل فقالوا: إن الصلاة والركوع والسجود لا تكون إلا لله ولو سجد لغير الله لكان كافراً ولكن اقترن به عارض الرياء ثم زال بالندم والتوبة وصار إلى حالة لا يبالي بحمد الناس وذمهم فتصح صلاته.

ومذهب الفريقين الآخرين خارج عن قياس الفقه جداً خصوصاً من قال: يلزمه إعادة الركوع والسجود دون الافتتاح لأن الركوع والسجود إن لم يصح صارت أفعالاً زائدة في الصلاة فتفسد الصلاة


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178