عنوان الكتاب: دروس البلاغة

نحو: ﴿ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ[النحل: ١١٢]. والإذاقة تجريد لذلك، وإلى مُطلَقة، وهي التي لَم يُذكر معها ملائِم، نحو: ﴿ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ[البقرة: ٢٧].

ولا يعتبر الترشيح والتجريد إلاّ بعد تمام الاستعارة بالقرينة.

عمّا يقويها من ترشيح نحو: ﴿ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ﴾، استعير اللباس لِمَا غشى الإنسان عند الجوع والخوف وتلبس به عندهما من بعض الشدائد والإذاقة التي أوقعها على لباس الجوع والخوف ملائمة لِمَا غشيهم من الجوع والخوف من البوس والضرّ الذي هو المشبّه لجريها مجرى الحقيقة في البلايا والشدائد ما يمسّ الناس منهما لشيوعها فيها، يقال: ½ذاق فلان البوس والضراء¼، و½أذاقه العذاب¼، فهي تجريد لذلك الاستعارة عمّا يقويها من الترشيح وإلى مُطلَقة، وهي التي لَم يُذكر معها ملائِم أصلاً لا للمشبّه به ولا للمشبّه نحو: ﴿ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ فاستعير النقض، وهو الفسخ وفكّ طاقات الحبل; لإبطال العهد، ولم يذكر هاهنا ما يلائم النقض الذي هو المشبّه به، ولا ما يلائم إبطال العهد الذي هو المشبّه، فكانت الاستعارة مطلَقة عن قيد الملائم; ولذا سمّيت بـ½المطلقة¼ ولا يعتبر الترشيح والتجريد إلاّ بعد تمام الاستعارة بالقرينة الدالّة على وجود الاستعارة؛ لأنّ المراد بذكر ملائم المشبّه به في الترشيح، وملائم المشبّه في التجريد أنّما هو ذكرهما مع الاستعارة التامّة بقرينتها لا ذكرهما مطلقاً، وإلاّ لزم أن لا توجد الاستعارة المطلَقة أصلاً؛ لأنّ كلّ استعارة لا بد لها من قرينة، وهي لا تخلو عن كونها ملائمة لأحد الطرفين، فلو اعتبر فيها ذكر الملائم مطلقاً لم توجد استعارة ما خالية عن أحدهما، فلم يتصوّر وجود الاستعارة المطلقة.


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

239