عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

الْجَنَّةَ مَنْ فِيْ قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ))[1] وإنما صار حجاباً دون الجنة لأنه يحول بين العبد وبين أخلاق المؤمنين كلها وتلك الأخلاق هي أبواب الجنة، والكبر وعزة النفس يغلق تلك الأبواب كلها لأنه لا يقدر على أن يحب المؤمنين ما يحب لنفسه وفيه شيء من العز، ولا يقدر على التواضع وهو رأس أخلاق المتقين وفيه العز، ولا يقدر على ترك الحقد وفيه العز، ولا يقدر أن يدوم على الصدق وفيه العز، ولا يقدر على ترك الغضب وفيه العز، ولا يقدر على كظم الغيظ وفيه العز، ولا يقدر على ترك الحسد وفيه العز، ولا يقدر على النصح اللطيف وفيه العز، ولا يقدر على قبول النصح وفيه العز، ولا يسلم من الازدراء بالناس ومن اغتيابهم وفيه العز. ولا معنى للتطويل فما من خلق ذميم إلا وصاحب العز والكبر مضطر إليه ليحفظ عزه، وما من خلق محمود إلا وهو عاجز عنه خوفاً من أن يفوته عزه فمن هذا لم يدخل الجنة من في قلبه مثقال حبة منه.

والأخلاق الذميمة متلازمة والبعض منها داع إلى البعض لا محالة، وشر أنواع الكبر ما يمنع من استفادة العلم وقبول الحق والانقياد له وفيه وردت الآيات التي فيها ذم الكبر والمتكبرين قال الله تعالى: ﴿وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ بَاسِطُوٓاْ أَيۡدِيهِمۡ [الأنعام:٩٣] إلى قوله: ﴿وَكُنتُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِهِۦ تَسۡتَكۡبِرُونَ [الأنعام:٩٣] ثم قال: ﴿ٱدۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلۡمُتَكَبِّرِينَ[الزمر:٧٢] ثم أخبر أن أشد أهل النار عذاباً أشدهم عتياًّ على الله تعالى فقال: ﴿ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمۡ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحۡمَٰنِ عِتِيّٗا [مريم:٦٩] وقال تعالى: ﴿فَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٞ وَهُم مُّسۡتَكۡبِرُونَ [النحل:٢٢] وقال عزَّ وجَلَّ: ﴿يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُواْ لَوۡلَآ أَنتُمۡ لَكُنَّا مُؤۡمِنِينَ[سبأ:٣١] وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[المؤمن:٦٠] وقال تعالى: ﴿سَأَصۡرِفُ عَنۡ ءَايَٰتِيَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ [الأعراف:١٤٦] قيل في التفسير: سأرفع فهم القرآن عن قلوبهم، وفي بعض التفاسير: سأحجب قلوبهم عن الملكوت، وقال ابن جريج: سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها ولذلك قال المسيح عليه السلام: ½إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت على الصفا[2]¼ كذلك الحكمة تعمل في قلب المتواضع ولا تعمل في قلب المتكبر ألا ترون أن من شمخ برأسه إلى السقف شجه، ومن طأطأ أظله وأكنه، فهذا مثل ضربه للمتكبرين وأنهم كيف يحرمون الحكمة، ولذلك ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم جحود الحق في حد الكبر والكشف عن حقيقته وقال: ((مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَغَمِصَ النَّاسَ[3])).


 



[1]      صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم  الكبر وبيانه، الحديث :۹۱، ص:٦۱.

[2]      أي الحجر الأملس. (اتحاف)

[3]      المسند للامام احمد بن حنبل، مسند الشاميين، حديث أبي ريحانة رضی الله عنه، الحديث :۱۷۲۰٦، ٦/۹۷.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178