عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

تعالى: ﴿وَلَا تَطۡرُدِ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ[الأنعام:٥٢] إلى قوله: ﴿مَا عَلَيۡكَ مِنۡ حِسَابِهِم[الأنعام:٥٢] وقال تعالى: ﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ[الكهف:٢٨] ثم أخبر الله تعالى عن تعجبهم حين دخلوا جهنم إذا لم يروا الذين ازدروهم فقالوا: ﴿مَا لَنَا لَا نَرَىٰ رِجَالٗا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ ٱلۡأَشۡرَارِ﴾ [ص:٦٢] قيل: يعنون عماراً وبلالاً وصهيباً والمقداد رضي الله عنهم. ثم كان منهم من منعه الكبر عن الفكر والمعرفة فجهل كونه صلى الله عليه وسلم محقاً، ومنهم من عرف ومنعه الكبر عن الاعتراف قال الله تعالى مخبراً عنهم: ﴿فَلَمَّا
جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ
[البقرة:٨٩] وقال: ﴿وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ[النمل:١٤] وهذا الكبر قريب من التكبر على الله عز وجل وإن كان دونه ولكنه تكبر على قبول أمر الله والتواضع لرسوله.

القسم الثالث: التكبر على العباد. وذلك بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره فتأبى نفسه عن الانقياد لهم وتدعوه إلى الترفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويأنف من مساواتهم وهذا وإن كان دون الأول والثاني فهو أيضاً عظيم من وجهين:

أحدهما: أن الكبر والعز والعظمة والعلاء لا يليق إلا بالملك القادر، فأما العبد المملوك الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء فمن أين يليق بحاله الكبر؟ فمهما تكبر العبد فقد نازع الله تعالى في صفة لا تليق إلا بجلاله، ومثاله أن يأخذ الغلام قلنسوة الملك فيضعها على رأسه ويجلس على سريره فما أعظم استحقاقه للمقت! وما أعظم تهدفه للخزي والنكال! وما أشد استجراءه[1] على مولاه وما أقبح ما تعاطاه! وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى ½العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته¼[2] أي أنه خاص صفتي ولا يليق إلا بي والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي وإذاً كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جنى عليه إذ الذي يسترذل خواص غلمان الملك ويستخدمهم ويترفع عليهم ويستأثر بما حق الملك أن يستأثر به منهم فهو منازع له في بعض أمره وإن لم يبلغ درجته درجة من أراد الجلوس على سريره والاستبداد بملكه[3]، فالخلق كلهم عباد الله وله العظمة والكبرياء عليهم فمن تكبر على عبد من عباد الله فقد نازع الله في حقه. نعم الفرق بين هذه المنازعة وبين منازعة نمروذ وفرعون، ما هو الفرق بين منازعة الملك في استصغار بعض عبيده واستخدامهم وبين منازعته في أصل الملك.


 



[1]      أي جرأته. (اتحاف)

[2]      المستدرك للحاكم، كتاب الإيمان، أهل الجنة المغلوبون...الخ ، الحديث:۲۱۰،  ١/٢٣٥.

[3]      أي الاستقلال به. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178