عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

الوجه الثاني: الذي تعظم به رذيلة الكبر أنه يدعو إلى مخالفة الله تعالى في أوامره لأن المتكبر إذا سمع الحق من عبد من عباد الله استنكف عن قبوله وتشمر لجحده ولذلك ترى المناظرين في مسائل الدين يزعمون أنهم يتباحثون عن أسرار الدين ثم إنهم يتجاحدون تجاحد المتكبرين ومهما اتضح الحق على لسان واحد منهم أنف الآخر من قبوله وتَشَمَّرَ[1] لجحده واحتال لدفعه بما يقدر عليه من التلبيس، وذلك من أخلاق الكافرين والمنافقين إذ وصفهم الله تعالى فقال: ﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَسۡمَعُواْ لِهَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ وَٱلۡغَوۡاْ فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَغۡلِبُونَ[فصلت:٢٦] فكل من يناظر للغلبة والإفحام[2] لا ليغتنم الحق إذا ظفر به فقد شاركهم في هذا الخُلق.

وكذلك يحمل ذلك على الأنفة من قبول الوعظ كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ[البقرة:٢٠٦] وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قرأها فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون قام رجل يأمر بالمعروف فقتل فقام آخر فقال: تقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس: فقتل المتكبر الذي خالفه والذي أمره كبراً. وقال ابن مسعود كفى بالرجل إثماً إذا قيل له اتق الله قال: عليك نفسك. وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: ((كلْ بِيَمِيْنِكَ)) قال لا أستطيع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لاَ اسْتَطَعْتَ)) [3] فما منعه إلا كبره قال فما رفعها بعد ذلك أي اعتلت يده.

فإذاً تكبره على الخلق عظيم لأنه سيدعوه إلى التكبر على أمر الله وإنما ضرب إبليس مثلاً لهذا وما حكاه من أحواله إلا ليعتبر به فإنه قال: ﴿أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ﴾ [ص:٧٦] وهذا الكبر بالنسب لأنه قال: ﴿قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ﴾ [ص:٧٦] فحمله ذلك على أن يمتنع من السجود الذي أمره الله تعالى به وكان مبدأه الكبر على آدم والحسد له فجره ذلك إلى التكبر على أمر الله تعالى فكان ذلك سبب هلاكه أبد. الآباد فهذه آفة من آفات الكبر على العباد عظيمة ولذلك شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر بهاتين الآفتين إذ سأله ثابت بن قيس بن شماس فقال: يا رسول الله! إني امرأ قد حبب إليّ من الجمال ما ترى أفمن الكبر هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((لاَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ وَغَمِصَ النَّاسَ)) [4] وفي حديث آخر: ((مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ[5])) [6] وقوله: ½وغمص الناس¼ أي


 



[1]      أي تَهَيَّأَ. (تاج العروس)

[2]      أي إسكات الخصم بالحجة. (المصباح المنير)

[3]      صحيح مسلم، كتاب الاشربة، باب آداب الطعام...الخ ، الحديث:۲۰۲۱، ص:۱۱۱۸.

[4]      سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ماجاء في الكبر، الحديث :۲۰۰٦،  ۳/٤۰۲.

[5]      أي جَهِلَه. (المصباح المنير)

[6]      المسند للامام احمد بن حنبل، مسند الشاميين، حديث أبي ريحانة رضی الله عنه، الحديث :۱۷۲۰٦،  ٦/۹۷.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178