عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

عرق دفين في النفس لا ينفك عنه نسيب وإن كان صالحاً وعاقلاً إلا أنه قد لا يترشح منه ذلك عند اعتدال الأحوال فإن غلبه غضب أطفأ ذلك نور بصيرته وترشح منه.

كما روي عن أبي ذر أنه قال: قاولت[1] رجلاً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا ابن السوداء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَبَا ذَرٍّ طَفُّ الصَّاعِ طَفُّ الصَّاعِ لَيْسَ لابْنِ الْبَيْضَاءِ عَلَى ابْنِ السَّوْدَاءِ فَضْلٌ))[2] فقال أبو ذر رحمه الله: فاضطجعت وقلت للرجل: قم فطأ على خدي. فانظر كيف نبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى لنفسه فضلاً بكونه ابن بيضاء وأن ذلك خطأ وجهل؟ وانظر كيف تاب وقلع من نفسه شجرة الكبر بأخمص قدم من تكبر عليه إذ عرف أن العز لا يقمعه إلا الذل. ومن ذلك ما روي أن رجلين تفاخرا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما للآخر: أنا فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((افْتَخَرَ رَجُلانِ عِنْدَ مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةَ فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلامُ قُلْ لِلَّذِي افْتَخَرَ بَلِ التِّسْعَةُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ))[3] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليَدَعَنَّ قَوْمٌ الْفَخْرَ بِآبَائِهِمْ وَقَدْ صَارُوْا فَحْمًا فِي جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُوْنَنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللهِ مِنَ الْجِعْلانِ الَّتِي تَدُوْفُ[4] بِآنَافِهَا الْقَذَرَ))[5].

الرابع: التفاخر بالجمال، وذلك أكثر ما يجري بين النساء ويدعو ذلك إلى التنقص والثلب[6] والغيبة وذكر عيوب الناس ومن ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخلت امرأة على النبي صلى الله عليه وسلم فقلت بيدي هكذا أي أنها قصيرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قَدِ اغْتَبْتِهَا))[7] وهذا منشأه خفاء الكبر لأنها لو كانت أيضاً قصيرة لما ذكرتها بالقصر، فكأنها أعجبت بقامتها واستقصرت المرأة في جنب نفسها فقالت ما قالت.

الخامس: الكبر بالمال، وذلك يجري بين الملوك في خزائنهم وبين التجار في بضائعهم وبين الدهاقين في أراضيهم وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيستحقر الغني الفقيرَ ويتكبر عليه


 



[1]      أي خاصَمْتُ. (اتحاف)

[2]      تاريخ مدينة دمشق، الرقم : ۹۷٤، بلا ل بن رباح، الحديث: ۲٦٦۹،  ۱۰/٤٦٤.

[3]      المسند للامام احمد بن حنبل، مسند الانصار، حديث معاذ بن جبل، الحديث ۲۲۱٥۰،  ٨/٢٥٤ بتغير.

[4]      في كثير من كتب الأحاديث وَرَدَ ½تَدْفَعُ¼ مكان ½تَدُوْفُ¼. [علمية]

[5]      سنن أبي داود، كتاب الادب، باب في التفاخر بالاحساب ، الحديث: ٥۱۱٦،  ٤/٤۲۷.

[6]      أي المَسَبَّة والتعييب. (اتحاف)

[7]      موسوعة الامام ابن أبي الدنيا ، كتاب الصمت وآداب اللسان ، الحديث :۲۰۷،٧/١٤٣.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178