ويختم لي بما هو عليه الآن، فليس دوام الهداية إلي كما لم يكن ابتداءها إليّ، فبملاحظة الخاتمة يقدر على أن ينفي الكبر عن نفسه وكل ذلك بأن يعلم أن الكمال في سعادة الآخرة والقرب من الله لا فيما يظهر في الدنيا مما لا بقاء له. ولعمري هذا الخطر مشترك بين المتكبر والمتكبر عليه ولكن حق على كل واحد أن يكون مصروف الهمة إلى نفسه مشغول القلب بخوفه لعاقبته، لا أن يشتغل بخوف غيره فإن الشفيق بسوء الظن مولع وشفقة كل إنسان على نفسه. فإذاً حبس جماعة في جناية ووعدوا بأن تضرب رقابهم لم يتفرغوا لتكبر بعضهم على بعض وإن عمهم الخطر إذ شغل كل واحد همّ نفسه عن الالتفات إلى همّ غيره حتى كأن كل واحد هو وحده في مصيبته وخطره.
فإن قلت: فكيف أبغض المبتدع في الله وأبغض الفاسق وقد أمرت ببغضهما ثم مع ذلك أتواضع لهما والجمع بينهما متناقض؟
فاعلم أن هذا أمر مشتبه يلتبس على أكثر الخلق إذ يمتزج غضبك لله في إنكار البدعة والفسق بكبر النفس والإدلال[1] بالعلم والورع فكم من عابد جاهل وعالم مغرور إذا رأى فاسقاً جلس بجنبه أزعجه[2] من عنده وتنزه عنه[3] بكبر باطن في نفسه وهو ظان أنه قد غضب لله كما وقع لعابد بني إسرائيل مع خليعهم وذلك لأن الكبر على المطيع ظاهر كونه شراً والحذر منه ممكن والكبر على الفاسق والمبتدع يشبه الغضب لله وهو خير فإن الغضبان أيضاً يتكبر على من غضب عليه والمتكبر يغضب، وأحدهما يثمر الآخر ويوجبه وهما ممتزجان ملتبسان لا يميز بينهما إلا الموفقون. والذي يخلصك من هذا أن يكون الحاضر على قلبك عند مشاهدة المبتدع أو الفاسق أو عند أمرهما بالمعروف ونهيهما عن المنكر ثلاثة أمور:
أحدها: التفاتك إلى ما سبق من ذنوبك وخطاياك ليصغر عند ذلك قدرك في عينك.
والثاني: أن تكون ملاحظتك لما أنت متميز به من العلم واعتقاد الحق والعمل الصالح من حيث إنها نعمة من الله تعالى عليك فله المنة فيه لا لك فترى ذلك منه حتى لا تعجب بنفسك وإذا لم تعجب لم تتكبر.
والثالث: ملاحظة إبهام عاقبتك وعاقبته أنه ربما يختم لك بالسوء ويختم له بالحسنى حتى يشغلك الخوف عن التكبر عليه.
فإن قلت: فكيف أغضب مع هذه الأحوال؟ فأقول: تغضب لمولاك وسيدك إذ أمرك أن تغضب له لا لنفسك وأنت في غضبك لا ترى نفسك ناجياً وصاحبك هالكاً بل يكون خوفك على نفسك بما