عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

تعجب به وتقول: إنما أعطاني غلاماً لأني صاحب فرس فأمّا غيري فلا فرس له فيقال: وهو الذي أعطاك الفرس فلا فرق بين أن يعطيك الفرس والغلام معاً أو يعطيك أحدهما بعد الآخر فإذا كان الكل منه فينبغي أن يعجبك جوده وفضله لا نفسك.

وأما إن كانت تلك الصفة من غيره فلا يبعد أن تعجب بتلك الصفة وهذا يتصور في حق الملوك ولا يتصور في حق الجبار القاهر ملك الملوك المنفرد باختراع الجميع المنفرد بإيجاد الموصوف والصفة فإنك إن أعجبت بعبادتك وقلت: وفقني للعبادة لحبي له فيقال: ومن خلق الحب في قلبك؟ فتقول: هو، فيقال: فالحب والعبادة كلاهما نعمتان من عنده ابتدأك بهما من غير استحقاق من جهتك إذ لا وسيلة لك ولا علاقة فيكون الإعجاب بجوده إذ أنعم بوجودك ووجود صفاتك وبوجود أعمالك وأسباب أعمالك. فإذاً لا معنى لعجب العابد بعبادته وعجب العالم بعلمه وعجب الجميل بجماله وعجب الغني بغناه لأن كل ذلك من فضل الله وإنما هو محل لفيضان فضل الله تعالى وجوده، والمحل أيضاً من فضله وجوده.

فإن قلت: لا يمكنني أن أجهل أعمالي وأني أنا عملتها فإني أنتظر عليها ثواباً ولولا أنها عملي لما انتظرت ثواباً فإن كانت الأعمال مخلوقة لله على سبيل الاختراع فمن أين لي الثواب وإن كانت الأعمال مني وبقدرته فكيف لا أعجب بها؟ فاعلم أن جوابك من وجهين:

أحدهما: هو صريح الحق والآخر: فيه مسامحة.

أما صريح الحق: فهو أنك وقدرتك وإرادتك وحركتك وجميع ذلك من خلق الله واختراعه فما عملت إذ عملت وما صليت إذ صليت وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فهذا هو الحق الذي انكشف لأرباب القلوب بمشاهدة أوضح من أبصار العين بل خلقك وخلق أعضاءك وخلق فيها القوة والقدرة والصحة وخلق لك العقل والعلم وخلق لك الإرادة ولو أردت أن تنفي شيئاً من هذا عن نفسك لم تقدر عليه ثم خلق الحركات في أعضائك مستبداً باختراعها من غير مشاركة من جهتك معه في الاختراع إلا أنه خلقه على ترتيب فلم يخلق الحركة ما لم يخلق في العضو قوة وفي القلب إرادة ولم يخلق إرادة مالم يخلق علماً بالمراد ولم يخلق علماً ما لم يخلق القلب الذي هو محل العلم فتدريجه في الخلق شيئاً بعد شيء هو الذي خيل لك أنك أوجدت عملك وقد غلطت. وإيضاح ذلك وكيفية الثواب على عمل هو من خلق الله سيأتي تقريره في كتاب الشكر فإنه أليق به فارجع إليه.

ونحن الآن نزيل إشكالك بالجواب الثاني الذي فيه مسامحة ما، وهو أن تحسب أن العمل حصل بقدرتك فمن أين قدرتك؟ ولا يتصور العمل إلا بوجودك ووجود عملك وإرادتك قدرتك وسائر أسباب عملك وكل ذلك من الله تعالى لا منك، فإن كان العمل بالقدرة فالقدرة مفتاحه وهذا المفتاح


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178