عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عَيْبَةَ الْجَاهِلِيَّةِ)) أي كبرها ((كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ))[1] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لا تَأْتِي النَّاسُ بِالأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَأْتُوْنَ بِالدُّنْيَا تَحْمَلُونَهَا عَلَى رِقَابِكُمْ تَقُوْلُوْنَ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُوْلُ: هَكَذَا))[2] أي أعرض عنكم فبين أنهم إن مالوا إلى الدنيا لم ينفعهم نسب قريش ولما نزل قوله تعالى: ﴿وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ﴾ [الشعراء:٢١٤] ناداهم بطناً بعد بطن حتى قال: ((يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ يَا صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْملا لأَنْفُسِكُمَا فَإِنِّي لا أُغْنِي عَنْكُمَا مِنَ اللهَ شَيْئًا))[3] فمن عرف هذه الأمور وعلم أن شرفه بقدر تقواه وقد كان من عادة آبائه التواضع اقتدى بهم في التقوى والتواضع، وإلا كان طاعناً في نسب نفسه بلسان حاله مهما انتمى إليهم ولم يشبههم في التواضع والتقوى والخوف والإشفاق.

فإن قلت: فقد قال صلى الله عليه وسلم بعد قوله لفاطمة وصفية: ((إِنِّي لا أُغْنِي عَنْكُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا إِلا أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلالِهَا))[4] وقال صلى الله عليه وسلم: ((أَتَرْجُوْ سُلَيْمٌ شَفَاعَتِي وَلا يَرْجُوْهَا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ))[5] فذلك يدل على أنه سيخصص قرابته بالشفاعة.

فاعلم أن كل مسلم فهو منتظر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم والنسيب أيضاً جدير بأن يرجوها لكن بشرط أن يتقي الله أن يغضب عليه فإنه إن يغضب عليه فلا يأذن لأحد في شفاعته لأن الذنوب منقسمة إلى ما يوجب المقت فلا يؤذن في الشفاعة له وإلى ما يعفى عنه بسبب الشفاعةكالذنوب عند ملوك الدنيا فإن كل ذي مكانة عند الملك لا يقدر على الشفاعة فيما اشتد عليه غضب الملك فمن الذنوب ما لا تنجي منه الشفاعة وعنه العبارة بقوله تعالى: ﴿وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ﴾ [الأنبياء: ٢٨] وبقوله: ﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشۡفَعُ عِندَهُۥٓ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ﴾ [البقرة:٢٥٥]  وبقوله: ﴿وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ﴾ [سبأ: ٢۳]  وبقوله: ﴿فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَٰعَةُ ٱلشَّٰفِعِينَ﴾ [المدثر:٤٨] .

وإذا انقسمت الذنوب إلا ما يشفع فيه وإلى ما لا يشفع فيه وجب الخوف والإشفاق لا محالة ولو كان كل ذنب تقبل فيه الشفاعة لما أمر قريشاً بالطاعة، ولما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عن المعصية، ولكان يأذن لها في اتباع الشهوات لتكمل لذاتها في الدنيا ثم يشفع


 



[1]      سنن أبي داود، كتاب الادب، باب في التفاخر بالاحساب، الحديث:٥۱۱٦، ٤/٤٢٧.

[2]      الادب المفرد للبخاری، باب الحسب، الحديث:۸۹۷،ص:۲۳۱.

[3]      صحيح البخاری، كتاب الوصايا، باب هل يدخل النساء …الخ، الحديث:۲۷٥۳، ٢/٢٣٨.

[4]      صحيح مسلم،كتاب الإيمان، باب في قوله تعالی:وانذر عشيرتك الاقربين، الحديث:۲۰٤-۲۰٥،ص:۱۳۱.

[5]      المعجم الاوسط،الحديث:٤٦٤۷، ۳/ ۲۹۹.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178