عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

السبب الثاني: التعزز وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية أو علما أو مالاً خاف أن يتكبر عليه وهو لا يطيق تكبره ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه وليس من غرضه أن يتكبر بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد رضي بمساواته مثلاً ولكن لا يرضي بالترفع عليه.

السبب الثالث: الكبر وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه ويستصغره ويستخدمه ويتوقع منه الانقياد له والمتابعة في أغراضه، فإذا نال نعمة خاف أن لا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته أو ربما يتشوف[1] إلى مساواته أو إلى أن يرتفع عليه فيعود متكبراً بعد أن كان متكبراً عليه، ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قالوا كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف نطأطئ رءوسنا؟ فقالوا: ﴿لَوۡلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنَ ٱلۡقَرۡيَتَيۡنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] أي كان لا يثقل علينا أن نتواضع له ونتبعه إذا كان عظيماً وقال تعالى يصف قول قريش: ﴿أَهَٰٓؤُلَآءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنۢ بَيۡنِنَآۗ﴾ [الأنعام:٥٣] كالاستحقار لهم والأنفة منهم.

السبب الرابع: التعجب كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة إذ قالوا: ﴿مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا﴾ [يس:١٥] وقالوا: ﴿أَنُؤۡمِنُ لِبَشَرَيۡنِ مِثۡلِنَا [المؤمنون:٤٧] ﴿وَلَئِنۡ أَطَعۡتُم بَشَرٗا مِّثۡلَكُمۡ إِنَّكُمۡ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ[المؤمنون:٣٤] فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة والوحي والقرب من الله تعالى بشر مثلهم فحسدوهم وأحبوا زوال النبوة عنهم جزعاً أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة لا عن قصد تكبر وطلب رياسة وتقدم عداوة أو سبب آخر من سائر الأسباب، وقالوا متعجبين: ﴿أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرٗا رَّسُولٗا [الإسراء:٩٤] وقالوا: ﴿لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ [الفرقان:٢١] وقال تعالى: ﴿أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ﴾ [الأعراف: ٦٣] الآية.

السبب الخامس: الخوف من فوت المقاصد وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد فإن كل واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عوناً له في الانفراد بمقصوده، ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية، وتحاسد الأخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال، وكذلك تحاسد التلميذين لأستاذ واحد على نيل المرتبة من قلب الأستاذ، وتحاسد ندماء الملك وخواصه في نيل المنزلة من قلبه للتوصل به إلى المال والجاه، وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم،


 



[1]      أي يطلع. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178