عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

على حدقة التوحيد وقذى في عين الإيمان، وناهيك[1] بهما جناية على الدين. وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلاً من المؤمنين وتركت نصيحته وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم، وهذه خبائث في القلب تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب وتمحوها كما يمحو الليل النهار.

وأما كونه ضرراً عليك في الدنيا فهو أنك تتألم بحسدك في الدنيا أو تتعذب به ولا تزال في كمد وغم؛ إذ أعداؤك لا يخليهم الله تعالى عن نعم يفيضها عليهم، فلا تزال تتعذب بكل نعمة تراها وتتألم بكل بلية تنصرف عنهم، فتبقى مغموماً محروماً متشعب القلب ضيق الصدر قد نزل بك ما يشتهيه الأعداء لك وتشتهيه لأعدائك، فقد كنت تريد المحنة لعدوك فتنجزت في الحال محنتك وغمك نقداً ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسدك ولو لم تكن تؤمن بالبعث والحساب لكان مقتضى الفطنة إن كنت عاقلاً أن تحذر من الحسد لما فيه من ألم القلب ومساءته مع عدم النفع، فكيف وأنت عالم بما في الحسد من العذاب الشديد في الآخرة، فما أعجب من العاقل كيف يتعرض لسخط الله تعالى من غير نفع يناله بل مع ضرر يحتمله وألم يقاسيه فيهلك دينه ودنياه من غير جدوى ولا فائدة.

وأما أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح لأن النعمة لا تزول عنه بحسدك بل ما قدره الله تعالى من إقبال ونعمة فلا بد أن يدوم إلى أجل معلوم قدره الله سبحانه، فلا حيلة في دفعه بل كل شيء عنده بمقدار ولكل أجل كتاب ولذلك شكا نبي من الأنبياء من امرأة ظالمة مستولية على الخلق فأوحى الله إليه: فر من قدامها حتى تنقضي أيامها أي ما قدرناه في الأزل لا سبيل إلى تغييره، فاصبر حتى تنقضي المدة التي سبق القضاء بدوام إقبالها فيها، ومهما لم تزل النعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدنيا ولا يكون عليه إثم في الآخرة، ولعلك تقول: ليت النعمة كانت تزول عن المحسود بحسدي، وهذا غاية الجهل فإنه بلاء تشتهيه أولاً لنفسك فإنك أيضاً لا تخلو عن عدوّ يحسدك فلو كانت النعمة تزول بالحسد لم يبق لله تعالى عليك نعمة ولا على أحد من الخلق، ولا نعمة الإيمان أيضاً لأن الكفار يحسدون المؤمنين على الإيمان قال الله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم[البقرة:١٠٩] إذ ما يريده الحسود لا يكون. نعم هو يضل بإرادته الضلال لغيره فإن إرادة الكفر كفر فمن اشتهى أن تزول النعمة عن المحسود بالحسد فكأنما يريد أن يسلب نعمة الإيمان بحسد الكفار وكذا سائر النعم.


 



[1]      ½ناهيك¼ كلمة تعجب واستعظام كما يقال: حسبك. وتأويلها أنه غاية تنهاك عن طلب غيره. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178