عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

وقد قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)) [1] وقام أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال يا رسول الله متى الساعة؟ فقال: ((مَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟)) قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام إلا أني أحب الله ورسوله فقال صلى الله عليه وسلم: ((أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)) [2] قال أنس: ما فرح المسلمون بعد إسلامهم كفرحهم يومئذ. إشارة إلى أن أكبر بغيتهم كانت حب الله ورسوله قال أنس: فنحن نحب رسول الله وأبا بكر وعمر ولا نعمل مثل عملهم ونرجو أن نكون معهم.

وقال أبو موسى: قلت يا رسول الله! الرجل يحب المصلين ولا يصلي ويحب الصوام ولا يصوم حتى عد أشياء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هُوَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)) [3] وقال رجل لعمر بن عبد العزيز إنه كان يقال: إن استطعت أن تكون عالماً فكن عالماً فإن لم تستطع أن تكون عالماً فكن متعلماً فإن لم تستطع أن تكون متعلماً فأحبهم فإن لم تستطع فلا تبغضهم، فقال: سبحان الله لقد جعل الله لنا مخرجاً.

فانظر الآن كيف حسدك إبليس ففوت عليك ثواب الحب ثم لم يقنع به حتى بغض إليك أخاك وحملك على الكراهة حتى أثمت، وكيف لا وعساك تحاسد رجلاً من أهل العلم وتحب أن يخطيء في دين الله تعالى وينكشف خطؤه ليفتضح؟ وتحب أن يخرس لسانه حتى لا يتكلم أو يمرض حتى لا يعلم ولا يتعلم وأي إثم يزيد على ذلك؟ فليتك إذ فاتك اللحاق به ثم اغتممت بسببه سلمت من الإثم وعذاب الآخرة وقد جاء في الحديث: ((أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ: المُحْسِنُ وَالْمُحِبُّ لَهُ وَالْكَافُّ عَنْهُ)) [4] أي من يكف عنه الأذى والحسد والبغض والكراهة، فانظر كيف أبعدك إبليس عن جميع المداخل الثلاثة حتى لا تكون من أهل واحد منها ألبتة فقد نفذ فيك حسد إبليس وما نفذ حسدك في عدوك بل على نفسك.

بل لو كوشفت بحالك في يقظة أو منام لرأيت نفسك أيها الحاسد في صورة من يرمي سهماً إلى عدوه ليصيب مقتله فلا يصيبه بل يرجع إلى حدقته اليمنى فيقلعها فيزيد غضبه فيعود ثانية فيرمي أشد من الأولى فيرجع إلى عينه الأخرى فيعميها فيزداد غيظه فيعود ثالثة فيعود على رأسه فيشجه وعدوه سالم في كل حال وهو إليه راجع مرة بعد أخرى وأعداؤه حوله يفرحون به ويضحكون عليه. وهذا حال الحسود وسخرية الشيطان منه بل حالك في الحسد أقبح من هذا لأن الرمية العائدة لم تفوت إلا العينين


 



[1]      صحيح البخاری، كتاب الادب، باب علامة حب الله عزوجل...الخ  ، الحديث :٦۱٦۸ ،٤/ ۱٤۷

[2]      صحيح البخاری، كتاب الادب، باب علامة حب الله عزوجل...الخ، الحديث :٦۱۷۱ ،٤/ ۱٤۷

[3]      المتحابين في الله لابن قدامة، الحديث :۷، ص ۲۸ بألفاظ مختلفة والمعنى واحد.الشاملة

[4]      لم نجد له اصلاً. [علمية]




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178