عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

السابع: مجرد الحياء فإنه نوع ألم وراء ألم الذم والقصد بالشر وهو خلق كريم يحدث في أول الصبا مهما أشرق عليه نور العقل فيستحي من القبائح إذا شوهدت منه وهو وصف محمود؛ إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((الحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ))[1] وقال صلى الله عليه وسلم : ((الحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيْمَانِ))[2] وقال صلى الله عليه وسلم : ((الحَيَاءُ لاَ يَأْتِيْ إِلاَّ بِخَيْرٍ))[3] وقال صلى الله عليه وسلم :((إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْحَيِيَّ الْحَلِيْمَ))[4] فالذي يفسق ولا يبالي أن يظهر فسقه للناس جمع إلى الفسق التهتك والوقاحة[5] وفقد الحياء، فهو أشد حالاً ممن يستتر ويستحيي، إلا أن الحياء ممتزج بالرياء ومشتبه به اشتباهاً عظيماً قل من يتفطن له، ويدعي كل مراء أنه مستحي وأن سبب تحسينه العبادات هو الحياء من الناس وذلك كذب، بل الحياء خلق ينبعث من الطبع الكريم وتهيج عقيبه داعية الرياء وداعية الإخلاص ويتصور أن يخلص معه ويتصور أن يرائي معه.

وبيانه أن الرجل يطلب من صديق له قرضاً ونفسه لا تسخو بإقراضه إلا أنه يستحي من رده وعلم أنه لو راسله على لسان غيره لكان لا يستحيي ولا يقرض رياء ولا لطلب الثواب فله عند ذلك أحوال. إحداها: أن يشافه[6] بالرد الصريح ولا يبالي فينسب إلى قلة الحياء وهذا فعل من لا حياء له فإن المستحيي إما أن يتعلل[7] أو يقرض فإن أعطى فيتصور له ثلاثة أحوال:

أحدها: أن يمزج الرياء بالحياء بأن يهيج الحياء فيقبح عنده الرد فيهيج خاطر الرياء ويقول: ينبغي أن تعطي حتى يثني عليك ويحمدك وينشر اسمك بالسخاء أو ينبغي أن تعطي حتى لا يذمك ولا ينسبك إلى البخل فإذا أعطى فقد أعطى بالرياء وكان المحرك للرياء هو هيجان الحياء.

الثاني: أن يتعذر عليه الرد بالحياء ويبقى في نفسه البخل فيتعذر الإعطاء فيهيج داعي الإخلاص ويقول له: إن الصدقة بواحدة والقرض بثمان عشرة ففيه أجر عظيم وإدخال سرور على قلب صديق وذلك محمود عند الله تعالى فتسخو النفس بالإعطاء لذلك، فهذا مخلص هيج الحياء إخلاصه.


 



[1]      صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان ...الخ ، الحديث :۳۷،  ص: ٤۰.

[2]      صحيح البخاری، كتاب الإيمان، باب أمور الإيمان، الحديث :۹،  ۱/۱٥.

[3]      صحيح البخاری، كتاب الادب ، باب الحياء ، الحديث :٦۱۱۷،  ٤/١٣١.

[4]      المصنف لابن أبي شيبة، كتاب الادب ، باب ما ذكر في الحياء وماجاء فيه، الحديث :٦،  ٦/٩٢.

[5]      الوقاحة: صلابة الوجه. (اتحاف)

[6]      أي يواجه. (اتحاف)

[7]      أي يعتذر ويتعلق بذكر علة مانعة له من الإقراض. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178