عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

الثالث: أن لا يكون له رغبة في الثواب ولا خوف من مذمته ولا حب لمحمدته لأنه لو طلبه مراسلة لكان لا يعطيه فأعطاه بمحض الحياء وهو ما يجده في قلبه من ألم الحياء ولولا الحياء لرده، ولو جاءه من لا يستحي منه من الأجانب أو الأراذل لكان يرده وإن كثر الحمد والثواب فيه فهذا مجرد الحياء ولا يكون هذا إلا في القبائح كالبخل ومقارفة الذنوب[1]، والمرائي يستحي من المباحات أيضاً حتى إنه يرى مستعجلاً في المشي فيعود إلى الهدو[2] أو ضاحكاً فيرجع إلى الانقباض ويزعم أن ذلك حياء وهو عين الرياء. وقد قيل: إن بعض الحياء ضعف وهو صحيح والمراد به الحياء مما ليس بقبيح كالحياء من وعظ الناس وإمامة الناس في الصلاة وهو في الصبيان والنساء محمود وفي العقلاء غير محمود. وقد تشاهد معصية من شيخ فتستحي من شيبته أن تنكر عليه لأن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم وهذا الحياء حسن وأحسن منه أن يستحي من الله فلا تضيع الأمر بالمعروف فالقوي يؤثر الحياء من الله على الحياء من الناس، والضعيف قد لا يقدر عليه فهذه هي الأسباب التي يجوز لأجلها ستر القبائح والذنوب.

الثامن: أن يخاف من ظهور ذنبه أن يستجرئ عليه غيره ويقتدى به وهذا العلة الواحدة فقط هي الجارية في إظهار الطاعة وهو القدوة ويختص ذلك بالأئمة أو بمن يقتدى به وبهذه العلة ينبغي أيضاً أن يخفي العاصي أيضاً معصيته من أهله وولده لأنهم يتعلمون منه.

ففي ستر الذنوب هذه الأعذار الثمانية وليس في إظهار الطاعة عذر إلا هذا العذر الواحد ومهما قصد بستر المعصية أن يخيل إلى الناس أنه ورع كان مرائياً كما إذا قصد ذلك بإظهار الطاعة.

فإن قلت: فهل يجوز للعبد أن يحب حمد الناس له بالصلاح وحبهم إياه بسببه وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: دلني على ما يحبني الله عليه ويحبني الناس قال: ((ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللهُ وَانْبُذْ إِلَيْهِمْ هَذا الحُطَامَ يُحِبُّوْكَ))[3].

فنقول: حبك لحب الناس لك قد يكون مباحاً وقد يكون محموداً وقد يكون مذموماً. فالمحمود: أن تحب ذلك لتعرف به حب الله لك، فإنه تعالى إذا أحب عبداً حببه في قلوب عباده. [4]  والمذموم: أن تحب حبهم وحمدهم على حجك وغزوك وصلاتك وعلى طاعة بعينها فإن ذلك طلب عوض على طاعة


 



[1]      أي ملابستها. (تاج العروس)

[2]      أي السكون. (تاج العروس)

[3]      حلية الأولياء ، ابراهيم بن أدهم ، الحديث :۱۱۳۲۲- ۱۱۳۲۳، ۸/ ٤۲-٤۳.

[4]      عن أبى هريرة عن النبى  صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الله العبدَ نادى جبريلَ إن الله يحب فلاناً فأحببه. فيحبه جبريلُ، فينادي جبريلُ فى أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه. فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض» (متفق عليه) [علمية]  




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178