عنوان الكتاب: هداية الحكمة

عليه وسلّم: ((إنّ الشمس والقمر آيتان من آياتِ الله تعالى لا ينخسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم فافزعوا إلى ذكر الله تعالى وإلى الصلاة)). (صحيح ابن حبان) وليس في هذا ما يوجب إنكار علم الحساب المعروف بمسير الشمس والقمر، واجتماعهما أو مقابلتهما على وجه مخصوص، وأمّا قوله عليه السلام: ((لكن الله إذا تجلّى لشيء خضع لهُ)) فليس توجد هذه الزيادة[1] في الصحيح أصلاً. فهذا حكم الرياضيّات وآفتها.

٢ - وأما المنطقيّات: فلا يتعلّق شيء منها بالدين نفياً وإثباتاً، بل هي النظر في طرق الأدلّة والمقاييس، وشروط مقدمات البرهان، وكيفية تركيبها، وشروط الحد الصحيح وكيفية ترتيبها. وأنّ العلم إما تصور وسبيل معرفته الحدُّ، وإما تصديق وسبيل معرفته البرهانُ، وليس في هذا ما ينبغي أن يُنكَر، بل هو من جنس ما ذكره المتكلّمون وأهل النظر في الأدلّة، وإنما يفارقونهم بالعبارات والاصطلاحات بزيادة الاستقصاء في التعريفات والتشعيبات، ومثال كلامهم فيها قولهم: إذا ثبت أن كل "أ" "ب" لزم أن بعض


 



[1] قوله: [فليس توجد هذه الزيادة...إلخ] لكنّ مفهومَ قول الحافظ ابن حجر الذي في فتح البارئ هكذا: أن هذه الزيادة ثابتة من رواية أحمد, والنسائي وابن ماجه وصحّحها ابن خزيمة والحاكم. وقد حاول بعضهم أن يجعل هذه الزيادة مبطلة لقول أهل العلم بالفلك والهيئة, فنقل ههنا قول ابن دقيق العيد: ليس هذا المحاولة بشيء؛ لأن لله أفعالا على حسب العادة, وأفعالا خارجة عن ذلك, وقدرته حاكمة على كل سبب, فله أنْ يقتطع ما يشاء من الأسباب والمسبّبات بعضها عن بعض. وإذا ثبت ذلك فالعلماء بالله لقوة اعتقادهم في عموم قدرته على خرق العادة وأنه يفعل ما يشاء إذا وقع شيء غريبٌ حدث عندهم الخوفُ لقوّة ذلك الاعتقاد, وذلك لا يمنع أن يكون هناك أسباب تجري عليها العادة إلى أن يشاء الله خرقَها. وحاصله: أن الذي يذكره أهل الحساب إن كان حقّا في نفس الأمر لا ينافي كون ذلك مخوِّفا لعباد الله تعالى.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

118