عنوان الكتاب: هداية الحكمة

فصل في المکان[1]

وهو إما الخلاء[2] أو السطح الباطن[3] من الجسم الحاوي المماسُّ[4] للسطح الظاهر


 



[1] قوله: [فصل في المکان] لمّا فرغ عن تحقيق ماهية الجسم الطبعي الذي هو موضوع هذا العلم، أراد أن يشرع فيما هو المقصود في هذا الفن، أعني البحث عن الأعراض الذاتيّة للجسم الطبعي، فبدأ بما هو الأشهر منها، وهو وقوعه في المكان فحقّق أوّلاً ماهية المكان في هذا الفصل، وأثبت أينيّته بعد ذلك في الفصل التالي لهذا الفصل، ونحن نريد أن نبيّن أوّلاً كيفية وقوع النزاع بين العقلاء في تحقيق ماهية المكان. فنقول: الأمر المسمّى بـ½المكان¼ إما أن يكون جزءاً من الجسم أو لا يكون، فإن كان جزءاً منه فإما أن يكون هيولاه أو صورته، وإن لم يكن جزءاً فلا يخلو إما أن يكون عبارة عما هو في العرف مما يعتمد عليه الشيء ويستقر عليه كالأرض للسرير أو ما يوجد فيه الجسم أعم من أن يسعه فقط كالكوز للماء أو يسعه مع غيره كما يقال البيت إنّه مكان زيد مثلا, أو يكون عبارة عن بُعدٍ تساوي أقطاره أقطار المتمكن فيه سواء كان ذلك البعد موجودا أو موهوما، أو أن يكون عبارة عن سطحٍ من جسم يلاقيه، فهذه احتمالات ممّا ذهب إلی كل منها ذاهب. ولمّا كان الإشكال في ماهية المكان في أنها بُعد أو سطح خصّصهما بالذكر فقال: ½هو إما الخلاء...إلخ¼. (ملخصا من الحواشي)

[2] قوله: [إما الخلاء] أي: البُعد وهو إما أن يكون أمرا موجوداً أو موهوماً الأول فهو مذهب أفلاطون وأتباعه القائلين بأن المكان هو البُعد الموجود المجرد عن المادة من شأنه أن تنفذ فيه الأبعاد الجسمانية، ويسمّونه البُعد المفطور لكونه مخلوقاً موجوداً في الخارج أو لكونه فطريا يدرك بالبداهة، وأفلاطون يعبر عن ذلك البُعد تارة بالهيولی لتوارد الأجسام عليه، وتارة بالصورة لكونه عبارة عن الأبعاد الممتدّة في الجهات بمنزلة الصورة الجسمية الاتصالية التي بها يقبل الجسم الأبعاد، وحينئذ يرتفع التدافع بين أقواله المنقولة عنه كما يَتَراءى أي: في بادي النظر. وأمّا الثاني فهو مذهب المتكلمين القائلين بأنّ لكلّ جسم فراغاً موهوما موافقاً للجسم في المقدار والتناهي يشغله الجسم ويملؤه علی سبيل التوهم. (عين القضاة)

[3] قوله: [السطح الباطن] اعلم أن المكان قد يكون سطحاً واحدا کمكان الفلك، وقد يكون عدة أمور يتركب منها كالماء في النهر فإن مكانه مركب من سطح الأرض وسطح الهواء, وقد يكون بعض هذه السطوح متحركاً وبعضها ساكناً كالحجر الموضوع علی الأرض الجاري عليه الماء، وقد يكون الحاوي متحركا والمحوي ساكنا كحال العناصر الساكنة مع الفلك، وقد يكونان متحركين كما في الأفلاك. (عين القضاة)

[4] قوله: [المماس] مرفوع بأن يكون صفة لقوله: ½السطح¼ ولا يبعد كونه مجروراً بأن يكون صفة للجسم؛ إذ مماسة السطح موجبة لمماسة الجسم الحاوي. (عين القضاة)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

118