عنوان الكتاب: هداية الحكمة

من الجسم المَحْوِيّ، والأوّل باطل فتعيّن الثاني، وإنما قلنا: الأوّل باطل[1]؛ لأنه لو کان خلاء فإمّا أن يکون لا شيئاً محضاً أو بُعداً موجوداً مجرّداً[2] عن المادّة، لا سبيل إلی الأول؛ لأنه[3] يکون خلاء أقلّ من خلاء؛ فإن الخلاء بين الجدارين[4] أقل من الخلاء.


 



[1] قوله: [الأوّل باطل...إلخ] توضيحه أنه لو كان المكان بُعداً مجرداً عن المادّة فلا يخلو إما أن يكون لا شيئاً محضاً أو بُعدا موجوداً والتالي بكلا شقيه باطل، فكذا المقدّم أما بطلان الشقّ الأول فلأن الخلاء يتّصف بالأقَلّيَّة والأكثرية ولا شيء مما يتصف بهما بلا شيء محض، فلا شيء من الخلاء بلا شيء مخص. أما الصغرى فقد بيّنه بقوله: ½فلأن الخلاء بين الجدارين...¼، أما الكبرى فلأن ثبوت الشيء للشيء في ظرف فرع ثبوت الشيء المثبت له في ذلك الظرف. ولا شك أن الأقلية والأكثرية من الأوصاف الخارجية فلا بد أن يكون موصوفهما أيضاً متحققاً في الخارج، فلا يكون لا شيئاً محضاً في الخارج، وأما بطلان الشق الثاني فسيجيء بيانه عن قريب، فافهم. (عين القضاة)

[2] قوله: [مجردا] إنما قال الإشراقيون بتجرد البعد المكاني عن المادة؛ إذ لو كان ماديا لكان جسما, وللزم من حصول الجسم المتمكن فيه تداخل الجسمين, وهو محال بالبداهة. (سعادت)

[3] قوله: [لأنه] أي: يكون مكان أقل من مكان, وعبّر عن المكان بالخلاء مواطأة للقائلين بأن المكان خلاء، فلا يتوجه عليه المنع؛ بأنا لا نسلم أن خلاء يكون أقل من خلاء بل المسافة الأرضية يكون أقل من مسافة أرضية فتأمل. (عين القضاة)

[4] قوله: [فإن الخلاء بين الجدارين] أي: الخلاء علی تقدير كون المكان خلاء، يكون أقل وأكثر؛ إذ المكان بين الجدارين أقل من المكان بين المدينتين قطعاً واتفاقاً، فلو كان المكان عين الخلاء كان الخلاء بين الجدارين أيضاً كذلك قطعاً في نفس الأمر. وقال مولانا أبو الحسن الكاشي مُحصّل مذهب المتكلمين: هو أنه كما أن الجسم بمقداره يشغل ما بين أطراف الجسم المحيط به كذلك يتوهم مقدار آخر مجرد عن المادة مساوٍ للجسم في جميع الجهات بين أطراف ذلك الجسم، والثاني هو المكان حقيقةً، فمراد المبطلين لهذا المذهب إما أن هذا البُعد المكانَ ليس موهوماً بل هو موجود، فذلك غير لازم وغاية ما لزم منه أنه يوجد في الخارج بين أطراف ذلك الجسم مقدارٌ يوصف بالزيادة والنقصان، فلعلّ المقدار الذي بسببه اتصف ما بين ذلك الجسم لا ذلك المقدار الموهوم، وبالجملة اتصاف ما بين الجدارين بهما يقتضي وجود مقدار بينهما، ولا يمنع من توهم مقدار آخر هو المكان، ولو سلم هنالك مقدار آخر موجود سوى

مقدار الجسم فعليهم إثبات أن المكان عبارة عنه حتى يبطل كون المكان موهوماً، وما مرادهم أنه لا يمكن توهم بُعد كذلك ففساده أظهر مع أنه لا يطابق ما استدلّوا به لأنه يدل علی وجود أمر موصوف بهما، ولعل المصنّف خلط بين الهواء والخلاء؛ فإن بعض المتكلمين ذهب إلی أنه لا وجود للهواء وما يقوله الحكماء ليس إلا أمرا موهوماً، فأبطله الحكماء بأن ما بين الجدارين أنقص مما بين المدينتين فوجب أن يكون ما بين الجدارين أمرا موجوداً يقبل الزيادة والنقصان، ولا نعني بالهواء إلا ذلك، فالمصنف أراد إبطال البُعد الموهوم به فخلط. (عين القضاة)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

118