عنوان الكتاب: منتخب الأبواب من إحياء علوم الدين

بِٱلۡحَقِّ [المائدة: ٢٧] الآيات وإذا ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك، وإذا ذكر القدر فاسكت، وإذا ذكرت النجوم فاسكت.

وقال بكر بن عبد الله: كان رجل يغشى بعض الملوك فيقوم بحذاء الملك فيقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيكه إساءته فحسده رجل على ذلك المقام والكلام فسعى به إلى الملك فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك ويقول ما يقول زعم أن الملك أبخر[1] فقال له الملك: وكيف يصح ذلك عندي؟ قال: تدعوه إليك فإنه إذا دنا منك وضع يده على أنفه لئلا يشم ريح البخر فقال له: انصرف حتى أنظر فخرج من عند الملك فدعا الرجل إلى منزله فأطعمه طعاما فيه ثوم فخرج الرجل من عنده وقام بحذاء الملك على عادته فقال أحسن إلى المحسن بإحسانه فإن المسيء سيكفيه إساءته فقال له الملك: أدن مني فدنا منه فوضع يده على فيه مخافة أن يشم الملك منه رائحة الثوم، فقال الملك في نفسه: ما أرى فلاناً إلا قد صدق قال: وكان الملك لا يكتب بخطه إلا بجائزة أو صلة فكتب له كتاباً بخطه إلى عامل من عماله إذا أتاك حامل كتابي هذا فاذبحه واسلخه واحش جلده تبناً وابعث به إليَّ فأخذ الكتاب وخرج فلقيه الرجل الذي سعى به فقال ما هذا الكتاب؟ قال: خط الملك لي بصلة فقال: هبه لي فقال: هو لك، فأخذه ومضى به إلى العامل فقال العامل: في كتابك أن أذبحك وأسلخك قال: إن الكتاب ليس هو لي فالله، الله في أمري حتى تراجع الملك فقال ليس لكتاب الملك مراجعة، فذبحه وسلخه وحشا جلده تبناً وبعث به ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ فقال لقيني فلان فاستوهبه مني فوهبته له قال له الملك: إنه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر، قال: ما قلت ذلك، قال فلِمَ وضعت يدك على فيك؟ قال: لأنه أطعمني طعاماً فيه ثوم فكرهت أن تشمه، قال: صدقت ارجع إلى مكانك فقد كفي المسيء إساءته.

وقال ابن سيرين رحمه الله: ما حسدت أحداً على شيء من أمر الدنيا لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا وهي حقيرة في الجنة، وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار. وقال رجل للحسن هل يحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك بني يعقوب، نعم! ولكن غمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يداً ولا لساناً. وقال ابو الدرداء: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا قل فرحه وقل حسده. و قال معاوية: كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها ولذلك قيل:

كل العداوة قد ترجى إماتتها            إلا عداوة من عاداك من حسد


 



[1]      أبخر: وهو الذي فسد ريح فمه. (اتحاف)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

178