عنوان الكتاب: هداية الحكمة

فصل في أن وجود واجب الوجود نفس حقيقته

لأن وجوده لو كان زائداً على حقيقته لكان عارضاً لها، ولو كان عارضاً لها كان الوجود من حيث هو مفتقراً إلى الغير، فيكون ممكناً لذاته، فلا بد له من مؤثر، وذلك المؤثر إن كان نفس تلك الحقيقة يلزم أن تكون موجودة قبل الوجود؛ لأن العلة الموجدة للشيء يجب تقدمها على المعلول بالوجود، فيكون الشيء موجوداً قبل نفسه، هذا خلف، وإن كان غير تلك الماهية يلزم أن يكون الواجب لذاته محتاجاً إلى الغير في الوجود، وهذا محال.

فصل في أن وجوب الوجود وتعينه عين ذاته

أمّا الأول فإن وجوب الوجود لو كان زائداً على حقيقته لكان معلولاً لذاته، والعلة ما لم يجب وجودها استحال أن يوجد المعلول، وذلك الوجوب هو الوجوب بالذات ضرورة، فيكون وجوب الوجود قبل نفسه، وهو محال، وأما الثاني؛ فلأن تعينه لو كان زائداً على حقيقته لكان معلولاً لذاته، والعلة ما لم تكن متعينة لا توجد، فيكون التعين حاصلاً قبل نفسه، وهو محال.

فصل في توحيد واجب الوجود

لأنا لو فرضنا موجودين واجبي الوجود لكانا مشتركين في وجوب الوجود متمايزين بأمر من الأمور، وما به الامتياز إما أن يكون تمام الحقيقة أو لا يكون، لا سبيل إلى الأول؛ لأن الامتياز لو كان بتمام الحقيقة لكان وجوب الوجود لاشتراكه خارجاً عن حقيقة كل واحد منهما، وهو محال؛ لما بينا أن وجوب الوجود نفس حقيقة واجب الوجود، ولا سبيل إلى الثاني؛ لأن كل واحد منهما حينئذ يكون مركباً مما به الاشتراك ومما به الامتياز، وكل مركب محتاج إلى غيره، فيكون ممكناً لذاته، هذا خُلف.

فصل في أن الواجب لذاته واجب من جميع جهاته

أي ليس له حالة منتظرة؛ لأن ذاته كافية فيما له من الصفات، فيكون واجباً من جميع جهاته، وإنما قُلنا: إن ذاته كافية فيما له من الصفات؛ لأنها لو لم تكن كافية لكان شيء من صفاته من غيره، فيكون حضور ذلك الغير علة في الجملة لوجود تلك الصفة، وغيبته علة لعدمها، ولو كان كذلك لم يكن ذاته إذا اعتبرت من حيث هي هي بلا شرط أن يجب لها الوجود؛ لأنها إما أن يجب


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

118