عنوان الكتاب: هداية الحكمة

فصل في أن الصورة الجسميّة لا تتجرّد عن الهيولی

لأنّها لو وجدتْ بذاتها بدون حُلُولِها في الهَيولی، فإمّا أَن تکون مُتناهِيةً أَو غير متناهيةٍ، لا سبيلَ إلی الثاني؛ لأن الأجسام کلَّها متناهيّة، وإلّا لأمکن أن يخرج مِن مبدأ واحد امتدادان علی نسق واحد کأنّهما ساقا مُثلثٍ، فکُلّما کانا أَعْظَمَ کان البُعد بينهما أزيد، فلو امتدَّا إلی غير النِّهاية لأَمْکن بينهما بُعدٌ غير متناه مع کونه محصوراً بين حاصرَين، هذا خُلف، وأمّا بيان أنه لا سبيل إلی القسم الأوّل؛ فلأنّها لو کانت متناهيةً لأحاط بها حدٌّ واحد أو حدود، فتکون مُتشکّلةً؛ لأن الشّکل هو الهيئةُ الحاصلة من إحاطة الحدّ الواحد أو الحُدود بالمقدار، فذلك الشّکل إمّا أن يکون للجسميّة لذاتها وهو مُحال، وإلاّ لکانت الأجسام کلّها متشکّلةً بشکل واحد، أو بسبب لازم للجسميّة، وهو أيضاً محال لِمَا مَرّ، أو بسبب عارضٍ لها، وهو أيضاً محال، وإلا لأمکن زوالُه، فأمکن أن تتشکّل الصورةُ بشکل آخر، فتکون قابلة للانفصال، وکل ما يقبل الانفصال فهو مرکب من الهيولی والصورة، فتکون الصورة العارية عن الهيولى مقارنةً لها، هذا خُلف.

فصْل في أنّ الهَيُولی لا تتجرّد عن الصّورةِ

لأنها لو تجرّدتْ عن الصورة، فإما أن تکون ذات وضع أو لا تکون، لا سبيل إلی کلّ واحد من القسمين، فلا سبيل إلی تجرّدها عن الصورة، أمّا أنه لا سبيل إلی الأوّل فلأنّها حينئذٍ إمّا أن تنقسم أوْ لا، لا سبيل إلی الثاني؛ لأنّ کل ما له وضع فهو منقسم، علی ما مرّ في نفي الجزء الذي لا يتجزّأ، ولا سبيل إلی الأوّل؛ لأنها حينئذٍ إمّا أن تنقسم في جهة واحدة فتکون خَطّاً، أو في جهتين فتکون سطحاً جوهريّاً، أو في ثلاث جهات فتکون جسماً، وکل واحد منها باطل. أمّا أنه لا يجوز أن تکون خَطّاً؛ فلأن وجود الخطّ علی سبيل الاستقلال محال؛ لأنه إذا انتهی إليه طرفا السطحين فإما أن يحجب تلاقيهما أو لا يحجب، لا جائز أنْ لا يحجب، وإلّا لزم تداخل الخطوط، وهو مُحال؛ لأنّ کلّ خطّين مجموعهما أعظم من الواحد، والتداخل يوجب خلافه، هذا خلف، ولا جائز أن يحجب وإلّا لَانْقسمَ الخطّ في جهتين؛ لأنّ ما يلاقي منه أحدَهما غيرُ ما يلاقي الآخر، وهو مُحال، وأمّا أنه لايجوز أن تکون سطحاً فلأنها لو کانت سطحاً، فإذا انتهی إليه طرفا الجسمين، فإما أن يحجب تلاقيهما أو لا يحجب، وکل واحد منهما باطل، علی ما مرّ في الخطّ، وأمّا أنه لا يجوز أن تکون


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

118