عنوان الكتاب: شرح التهذيب

........................................................

ثم بعد ذلك نقل المترجمون تلك الفلسفيات من لغة يونان إلى لغة العرب، هذّبها ورتّبها وأحكمها وأتقنها ثانياً المعلم الثاني الحكيم "أبو نصر الفارابي"[1] وقد فصّلها وحرّرها بعد


 



[1]قوله: [أبو نصر فارابي] أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوْزَلَغ الفارابي التركيّ الحكيم، (٢٦٠–٣٣٩) صاحب التصانيف في المنطق والموسيقى وغيرهما من العلوم، وهو أكبر فلاسفة المسلمين، وهو الملقّب بالمعلّم الثاني ولم يكن قبله أفضل منه في حكماء الإسلام. وقيل الحكماء أربعة اثنان قبل الإسلام وهما أرسطو وأبو قراط واثنان في الإسلام وهما أبو نصر وأبو علي وكان بين وفاة أبي نصر وولادة أبي علي ثلاثون سنة وكان أبو علي تلميذاً لتصانيفه. وكان رجلاً تركياً ولد في بلده ونشأ بها. ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد، وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي، فشرع في اللسان العربي فتعلمه وأتقنه غاية الإتقان، ثم اشتغل بعلوم الحكمة. ولما دخل بغداد كان بها أبو بشر متى بن يونس الحكيم، وهو شيخ كبير، وكان يقرأ الناس عليه فن المنطق، وله إذ ذاك صيت عظيم وشهرة وافية، ويجتمع في حلقته كل يوم المئون من المشتغلين بالمنطق، وهو يقرأ كتاب أرسطاطاليس في المنطق ويملي على تلامذته شرحه، فكتب عنه في شرحه سبعون سفراً، ولم يكن في ذلك الوقت أحد مثله في فنه. وكان أبو نصر يحضر حلقته في غمار تلامذته. ثم ارتحل أبو نصر إلى مدينة حران وفيها يوحنا بن حيلان الحكيم النصراني، فأخذ عنه طرفاً من المنطق أيضاً، ثم أنه قفل راجعاً إلى بغداد وقرأ بها علوم الفلسفة، وتناول جميع كتب أرسطاطاليس وتمهّر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها، ويقال: إنه وجد "كتاب النفس" لأرسطاطاليس (أرسطو) وعليه مكتوب بخط أبي نصر الفارابي: إني قرأت هذا الكتاب مائتي مرة. ونقل عنه أنه كان يقول: قرأتُ "السماع الطبيعي" لأرسطاطاليس الحكيم أربعين مرة، وأرى أني محتاج إلى معاودة قراءته. ويروى

عنه أنه سئل: مَن أعلم الناس بهذا الشأن أنت أم أرسطاطاليس فقال: لو أدركته لكنت أكبر تلامذته. يقال: إن أبا نصر كان يرتحل من دمشق إلى عسقلان فاستغفله جماعة من اللصوص الذين يقال لهم "الفتيان" فقال لهم أبو نصر: خذوا ما معي من الدولاب والأسلحة و الثياب وخلوا سبيلي فأبوا ذلك وهمّوا بقتله. فلما صار أبو نصر مضطرا ترجل وحارب حتى قتل مع من معه، ووقعت هذه المصيبة في أفئدة أمراء الشام (أسوأ) فطلبوا اللصوص ودفنوا أبا نصر، وصلبوهم على جذوع عند قبره. وقال الحكيم أبو نصر الفارابي: ينبغي لمن أراد الشروع في علم الحكمة أن يكون شاباً، صحيح المزاج، متأدبا بآداب الأخيار، قد تعلم القرآن واللغة وعلم الشرع أوّلا، ويكون صينا عفيفا صدوقا، معرضا عن الفسق والفجور والغدر والخيانة والمكر والحيلة، ويكون فارغ البال عن مصالح معاشه ويكون مقبلا على أداء الوظائف، غير مخل بركن من أركان الشريعة، بل غير مخل بآداب من آداب السنة ويكون معظِّما للعلم والعلماء ولم يكن عنده شيء قدر إلا للعلم وأهله، ولا يتخذ علمه من جملة الحرف والمكاسب وآلة لكسب الأموال، ومن كان بخلاف فهو حكيم زور ونبهرج فكما أن الزور لا يُعدّ من الكلام الرصين، ولا النبهرج من النقود، فكذلك من كانت أخلاقه خلاف ما ذكرنا لا يعدّ من جملة الحكماء وقال: من لا يهذب علمه أخلاقه في الدنيا لا تسعد نفسه في الآخرة. (وفيات الأعيان، تتمة صوان الحكمة)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

304