عنوان الكتاب: شرح التهذيب

........................................................

إضاعة كتب "أبي نصر" الشيخ الرئيس "أبو على بن سينا[1]"


 



[1]قوله: [أبو علي بن سينا] الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا الحكيم المشهور، كان أبوه من أهل بلخ، وانتقل منها إلى بخارى، وولد الرئيس أبو علي ههنا، واسم أمه ستارة. وتنقل الرئيس بعد ذلك في البلاد، واشتغل بالعلوم وحصّل الفنون، ولمّا بلغ عشر سنين من عمره كان قد أتقن علم القرآن العزيز والأدب وحفظ أشياء من أصول الدين وحساب الهندسة والجبر والمقابلة، ثم أبو علي يقرأ على الحكيم أبو عبد الله الناتلي كتاب إيساغوجي، واحكم عليه علم المنطق وإقليدس والمجسطي، وفاقَه أضعافاً كثيرة، حتى أوضح له منها رموزاً وفهمه إشكالات لم يكن للناتلي يد بها، وكان مع ذلك يختلف في الفقه إلى إسماعيل الزاهد، يقرأ ويبحث ويناظر، وبعد ذلك اشتغل أبو علي بتحصيل العلوم كالطبيعي والإلهي وغير ذلك، ونظر في النصوص والشروح وفتح الله عليه أبواب العلوم، ثم رغب بعد ذلك في علم الطب، وتأمل الكتب المُصنَّفة فيه، وعلمه حتى فاق فيه الأوائل والأواخر في أقل مدة وأصبح فيه عديم القرين فقيد المثل، وسنُّه إذ ذاك نحو ست عشرة سنة. وفي مدة اشتغاله لم يَنَمْ ليلة واحدة بكمالها ولا اشتغل في النهار بسوى المطالعة، وكان إذا أشكلت عليه مسألة توضأ وقصد المسجد الجامع، وصلّى

ودعا الله عزّ وجلّ أن يُسهِّلها عليه ويفتح مغلقها له.وذكِرَ عند الأمير نوح بن نصر الساماني صاحب خراسان في مرض مرضه فأحضره وعالجه حتى برئ، واتصل به وقرب منه، ودخل إلى دار كتبه وكانت عديمة المثل، فيها من كل فنّ من الكتب المشهورة بأيدي الناس وغيرها مما لا يوجد في سواها ولا سمع باسمه فضلاً عن معرفته، فظفر أبو علي فيها يكتب من علم الأوائل وغيرها وحصل نخب فوائدها واطّلع على أكثر علومها، واتفق بعد ذلك احتراق تلك الخزانة، فتفرد أبو علي بما حصله من علومها، وكان يقال: إن أبا علي توصل إلى إحراقها لينفرد بمعرفة ما حصله منها وينسبه إلى نفسه. ولم يستكمل ثماني عشرة سنة من عمره إلا وقد فرغ من تحصيل العلوم بأسرها التي عاناها، وتوفي أبوه وسنُّ أبي علي اثنتان وعشرون سنة. وإذا هو عند علاء الدولة، قصد همذان من أصبهان ومعه الرئيس أبو علي، فحصل له القولنج في الطريق ووصل إلى همذان وقد ضعف جداً وأشرفت قوته على السقوط، فأهمل المداواة وقال: المدبّر الذي في بدني قد عجز عن تدبيره فلا تنفعني المعالجة، ثم اغتسل وتاب وتصدق بما معه على الفقراء، وجعل يختم في كل ثلاثة أيام ختمة، ثم مات بهمذان يوم الجمعة من شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة دفن بها. وكان نادرة عصره في علمه وذكائه وتصانيفه، وصنّف كتاب "الشفاء" في الحكمة، و"النجاة" و"الإشارات" و"القانون" وغير ذلك مما يقارب مائة مصنَّف ما بين مطوّل ومختصر، ورسالة في فنون شتّى، وله رسائل بديعة: منها رسالة "حي بن يقظان" ورسالة "سلامان وابسال" ورسالة "الطير" وغيرها، وانتفع الناس بكتبه، وهو أحد فلاسفة المسلمين. (وفيات الأعيان، ٢/١٣٣)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

304