عنوان الكتاب: نور الإيضاح مع مراقي الفلاح

والقنوت معناه الدعاء وهو أن يقول اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب اليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللّهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك

صلّى الله عليه وسلّم أي: بعد الركوع كما تقدّم (والقنوت) من (معناه الدعاء) في الوتر (وهو) باللفظ الذي روي عن ابن مسعود (أن يقول أللّهم) أي: يا الله (إنّا نستعينك) أي: نطلب منك الإعانة على طاعتك (ونستهديك) أي: نطلب منك الهداية لما يرضيك (ونستغفرك) أي: نطلب منك ستر عيوبنا فلا تفضحنا بها (ونتوب إليك) التوبة الرجوع عن الذنب, وشرعاً الندم على ما مضى من الذنب والإقلاع عنه في الحال والعزم على ترك العود في المستقبل تعظيماً لأمر الله تعالى, فإن تعلّق به حقّ لآدمي فلا بدّ من مسامحته وإرضائه (ونؤمن) أي: نصدق معتقدين بقلوبنا ناطقين بلساننا فقلنا آمنّا (بك) وبما جاء من عندك وبملائكتك وكتبك ورسلك وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه (ونتوكّل) أي: نعتمد (عليك) بتفويض أمورنا إليك لعجزنا (ونثني عليك الخير كلّه) أي: نمدحك بكلّ خير مقرين بجميع آلائك إفضالاً منك (نشكرك) بصرف جميع ما أنعمت به من الجوارح إلى ما خلقته لأجله سبحانك لك الحمد لا نحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك (ولا نكفرك) أي: لا نجحد نعمة لك علينا ولا نضيفها إلى غيرك، الكفر نقيض الشكر, وأصله الستر يقال كفر النعمة إذا لم يشكرها كأنّه سترها بجحده, وقولهم كفرت فلاناً على حذف مضاف والأصل كفرت نعمته ومنّه ولا نكفرك (ونخلع) بثبوت حرف العطف أي: نلقى ونطرح ونزيل ربقة الكفر من أعناقنا وربقة كلّ ما لا يرضيك يقال خلع الفرس رسنه ألقاه (ونترك) أي: نفارق (من يفجرك) بجحده نعمتك وعبادته غيرك نتحاشى عنه وعن صفته بأن نفرضه عدماً تنزيهاً لجنابك إذ كلّ ذرة في الوجود شاهدة بأنّك المنعم المتفضّل الموجود المستحقّ لجميع المحامد الفرد المعبود والمخالف لهذا هو الشقي المطرود (أللّهم إيّاك نعبد) عود للثناء وتخصيص لذاته بالعبادة أي: لا نعبد إلاّ إيّاك إذ تقديم المفعول للحصر (ولك نصلّي) أفردت الصلاة بالذكر لشرفها بتضمّنها جميع العبادات (ونسجد) تخصيص بعد تخصيص إذ هو أقرب حالات العبد من الربّ المعبود (وإليك نسعى) هو إشارة إلى قوله في الحديث حكاية عنه تعالى: ½من أتاني سعياً أتيته هرولة¼, والمعنى نجهد في العمل لتحصيل ما يقربنا إليك (ونحفد) نسرع في تحصيل عبادتك بنشاط؛ لأنّ الحفد بمعنى السرعة ولذا سمّيت الخدم حفدة لسرعتهم في خدمة ساداتهم وهو بفتح النون ويجوز ضمّها وبالحاء المهملة وكسر الفاء وبالدال المهملة يقال حفد وأحفد لغة فيه ولو أبدل الدال ذالاً معجمة فسدت صلاته؛ لأنّه كلام أجنبي لا معنى له (نرجو) أي: نؤمّل (رحمتك) دوامها وإمدادها وسعة عطائك بالقيام لخدمتك والعمل في طاعتك وأنت كريم فلا تخيب راجيك (ونخشى عذابك) مع اجتنابنا ما نهيتنا عنه فلا نأمن مكرك فنحن بين الرجاء والخوف, وهـو إشارة إلى المذهب الحقّ فإن أمن المكر كـفـر كالـقنوت من الرحمة


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

396