عنوان الكتاب: نور الإيضاح مع مراقي الفلاح

قبل الركوع في جميع السنة ولا يقنت في غير الوتر

ووجهه عموم دليل الرفع للدعاء ويجاب بأنّه مخصوص بما ليس في الصلاة للإجماع على أنّه لا رفع في دعاء التشهّد انتهى . قلت وفيه نظر لأثر ابن مسعود الذي تقدّم قريباً, وفي المبسوط عن محمد بن الحنفية قال الدعاء أربعة: دعاء رغبة ففيه يجعل بطون كفيه إلى السماء, ودعاء رهبة ففيه يجعل ظهر كفيه إلى وجهه كالمستغيث من الشيء, ودعاء تضرع ففيه يعقد الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى ويشير بالسبابة, ودعاء خفية وهو ما يفعله المرء في نفسه كذا في "معراج الدراية", ولما رويناه يقنت (قبل الركوع في جميع السنّة ولا يقنت في غير الوتر) وهو الصحيح لقول أنس قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الصبح بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب رعل وزكوان وعصية حين قتلوا القراء وهو سبعون أو ثمانون رجلاً ثمّ تركه لمّا ظهر عليهم فدلّ على نسخه, وروى ابن أبي شيبة لمّا قنت علي رضي الله عنه في الصبح أنكر الناس عليه ذلك فقال إنّما استنصرنا على عدوّنا, وفي الغاية: إن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر([1])، وهو قول الثوري وأحمد, وقال جمهور أهل الحديث القنوت عند النوازل مشروع في الصلوات كلها اهـ. فعدم قنوت النّبي صلّى الله عليه وسلّم في الفجر بعد ظفره بأولئك لعدم حصول نازلة تستدعي القنوت بعدها فتكون مشروعيته مستمرة وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاته صلّى الله عليه وسلّم وهو مذهبنا وعليه الجمهور, وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى إنّما لا يقنت عندنا في الفجر من غير بلية فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به فعله رسول الله


 



[1]       قوله: [صلاة الجهر] قال ابن عابدين: وإن نزل بالمسلمين نازلة قنت الإمام في صلاة الجهر، وهو قول الثوري وأحمد، وكذا ما في شرح الشيخ إسماعيل عن البناية إذا وقعت نازلة قنت الإمام في الصلاة الجهرية، لكن في الأشباه عن الغاية قنت في صلاة الفجر ويؤيّده ما في شرح المنيّة حيث قال: بعد كلام فتكون شرعيّته أي: شرعية القنوت في النوازل مستمرة، وهو محمل قنوت من قنت من الصحابة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وهو مذهبنا وعليه الجمهور, قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي، إنّما لا يقنت عندنا في صلاة الفجر من غير بلية، فإن وقعت فتنة أو بلية فلا بأس به فعله رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم: وأمّا القنوت في الصلوات كلّها للنوازل فلم يقل به إلاّ الشافعي، وكأنّهم حملوا ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنّه قنت في الظهر والعشاء كما في مسلم وأنّه قنت في المغرب أيضاً كما في البخاري على النسخ لعدم ورود المواظبة والتكرار الواردين في الفجر عنه عليه الصلاة والسلام اهـ. وهو صريح في أنّ قنوت النازلة عندنا مختصّ بصلاة الفجر دون غيرها من الصلوات الجهرية أو السرية، ومفاده أنّ قولهم بأنّ القنوت في الفجر منسوخ معناه نسخ عموم الحكم لا نسخ أصله، كما نبّه عليه نوح آفندي وظاهر تقييدهم بالإمام أنّه لا يقنت المنفرد وهل المقتدي مثله أم لا، وهل القنوت هنا قبل الركوع أم بعده لم أره، والذي يظهر لي أنّ المقتدي يتابع إمامه إلاّ إذا جهّر فيؤمّن، وأنّه يقنت بعد الركوع لا قبله بدليل أنّ ما استدلّ به الشافعي على قنوت الفجر وفيه التصريح بالقنوت بعد الركوع حمله علماؤنا على القنوت للنازلة، ثمّ رأيت الشرنبلالي في مراقي الفلاح صرّح بأنّه بعده واستظهر الحموي أنّه قبله والأظهر ما قلناه والله أعلم. ١٢ ("رد المحتار"، ٤/٢٤٩-٢٥٠)




إنتقل إلى

عدد الصفحات

396