عنوان الكتاب: شرح العقائد النسفية

والمخترع ونحو ذلك، وحين رأى الجبائي واتباعه أنّ معنى الكلّ واحد، وهو المخرج من العدم إلى الوجود، تجاسروا على إطلاق لفظ الخالق. احتجّ أهل الحقّ بوجوه: الأوّل: أنّ العبد لو كان خالقاً لأفعاله لكان عالِماً بتفاصيلها٠[1]٠، ضرورة أنّ إيجاد الشيء بالقدرة والاختيار لا يكون إلاّ كذلك، واللازم باطل، فإنّ المشي من موضع إلى موضع قد يشتمل على سكنات متخلّلة٠[2]٠ وعلى حركات, بعضُها أسرع وبعضها أبطأ، ولا شعور للماشي بذلك، وليس هذا٠[3]٠ ذهولاً عن العلم، بل لو سئل لم يعلم، وهذا في أظهر أفعاله، وأمّا إذا تأمّلت في حركات أعضائه في المشي والأخذ والبطش ونحو ذلك, وما يحتاج إليه من تحريك العضلات٠[4]٠ وتمديد الأعصاب ونحو


 



[1] قوله: [لكان عالِماً بتفاصليها] قيل: هذا الدليل ينفي الكسب والخلق معاً لاشتراكهما في كونهما بالقدرة والقصد والاختيار, أجابه العلاّمة الخيالي بما حاصله: أنه فرّق بين الكسب والخلق, فإنّ الخلق يقتضي العلم التفصيليّ دون الكسب؛ لأنّ الخلق إفادة الوجود, فهو موقوف على العلم التفصيليّ بخلاف الكسب, فإنّه صرف القدرة والإرادة، نحو المقدور من غير أن يكون له تأثير في إيجاده, فيكفيه العلم الإجماليّ. ١٢

[2] قوله: [سكنات متخلّلة] هذا ما ذهب إليه أكثر المتكلّمين من أنّ البطوء في الحركات لتخلّل السكنات فيها, وأنكره الفلاسفة, والتفصيل في كتب الحكمة. ١٢

[3] قوله: [وليس هذا... إلخ] جواب سؤال حاصله: أنه يجوز أن يشعر بالتفاصيل ولا يشعر بذلك الشعور, بل يذهل عنه, فأجابه: بأنه ليس بذهول؛ إذ الذاهل إذا سئل عن المذهول عنه أجاب عنه, والماشي إذا سئل عن تفاصيل حركاته وسكناته لم يعلمها. ١٢

[4] قوله: [العضلات] جمع عضلة, وهي كلّ عصبة معها لحم غليظ, وقال الليث: العضلة كلّ لحمة غليظة منتبرة مثل لحم الساق والعضد, وفي "الصحاح": كلّ لحمة غليظة في عصبة, وفي "المعجم الوسيط": عضو لحميّ يحدث بانقباض أليافه حركة في الجسم. ١٢




إنتقل إلى

عدد الصفحات

388