عنوان الكتاب: شرح العقائد النسفية

من الكافر والفاسق إيمانه وطاعته، لا كفره ومعصيته, زعماً منهم أنّ إرادة القبيح قبيحة كخلقه وإيجاده، ونحن نمنع ذلك٠[1]٠، بل القبيح كسب القبيح والاتّصاف به، فعندهم يكون أكثر ما يقع من أفعال العباد على خلاف إرادة الله تعالى، وهذا شنيع٠[2]٠ جدًّا. حكي عن عمرو بن عبيد أنه قال: ما ألزمني أحد مثل ما ألزمني مجوسيّ, كان معي في السفينة، فقلت له: لِمَ لا تسلم؟ فقال: لأنّ٠[3]٠ الله تعالى لَم يُرد إسلامي، فإذا أراد إسلامي أسلمت. فقلت للمجوسيّ: إنّ الله تعالى يريد إسلامك، ولكن الشياطين لا يتركونك. فقال


 



[1] قوله: [ونحن نمنع ذلك... إلخ] أي: لا نسلّم قبح الإرادة والخلق, بل نقول: إنّ إرادة الله تعالى على نوعين: إرادة تتعلّق بالأمر, وإرادة تتعلّق بالخلق, فالإرادة المتعلّقة بالأمر أن يريد من العبد فعل ما أمره, وأمّا إرادة الخلق فأن يريد ما يفعله هو, فإرادة الأمر هي المتضمّنة للمحبّة والرضاء وهي الإرادة الدينيّة, والإرادة المتعلّقة بالخلق هي المشيئة وهي الإرادة الكونيّة القدريّة, فالأولى كقوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ ﴾ [البقرة: ١٨٥] وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذۡهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجۡسَ أَهۡلَ ٱلۡبَيۡتِ وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرٗا ﴾[الأحزاب: ٣٣] والثانية كقوله تعالى: ﴿ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهۡدِيَهُۥ يَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِۖ وَمَن يُرِدۡ أَن يُضِلَّهُۥ يَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجٗا ﴾[الأنعام: ١٢٥], وقوله  تعالى حكايةً عن نوح عليه السلام: ﴿ وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡ﴾[هود: ٣٤], فالكفر والفسوق والعصيان ليس مراداً للرّب عزّوجلّ بالاعتبار الأوّل, والطاعة موافقة لتلك الإرادة, كذا نقّح هذه المسئلة بعض العلماء. ١٢

[2] قوله: [وهذا شنيع] فإنه يلزم منه العجز الشديد, تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً. ١٢

[3] قوله: [فقال: لأنّ... إلخ] قيل: الظاهر أنّ المجوسيّ أراد السخريّة, لا أنه قائل بإرادته تعالى كما زعم البعض, ويدلّ عليه قوله:  ½ما ألزمني¼ انتهى. قلت: وتحقيقه موقوف على البحث عن عقيدة المجوس. ١٢




إنتقل إلى

عدد الصفحات

388