عنوان الكتاب: شرح العقائد النسفية

ويقف قائلاً: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾ فحاصل استدلالهم أنه لو لم يكن عالِماً قادراً لم يصدر منه تلك الآثار لا محالة, كما تقول: لو لم يكن النار محرقة لَمَا صدر منها الإحراق, فهذا استدلال باللازم على الملزوم فتأمّل, وقد أشير إلى هذا الاستدلال في المتن بقوله: ½للآثار¼ فهو دليل للعلم والقدرة.

قوله: [مطلقاً] يتعلّق بقوله: ½فقادراً¼ و½عالماً¼ كليهما يعني: أنّ قدرته تعالى عامّة لجميع الممكنات, والدليل عليه أنّ علّة المقدّرية وهو الإمكان مشتركة بين جميع الممكنات مقدورة له تعالى, أقول: لا نسلّم أنّ الإمكان علّة المقدروية, بل إنّما هو علّة الحاجة إلى المؤثّر, والمؤثّر إمّا موجب أو قادر, فالاستدلال الصحيح أن يقال: إنّ المقتضى للقدرة هو الذات يوجب استناد صفاته تعالى إلى ذاته, والمصحّح للمقدورية هو الإمكان؛ لأنّ الوجوب والامتناع يحيلان المقدورية, ونبسة الذات إلى جميع الممكنات على السواء, فإذا ثبت قدرته على بعضها ثبت على كلّها, وهذا الدليل بعينه يجري في إثبات عموم العلم, فإنّ علمه تعالى يعمّ الكليات والجزئيات عند أهل السنّة والجماعة, وقالت الفلاسفة: إنّه تعالى لا يعلم الجزئي الزماني وإلاَّ لزم كونه تعالى محلاًّ للحوادث؛ لأنّ العلم هو حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم, فلو فرض علمه بالجزئي الزماني على وجه يتغيّر كان جهلاً.

أقول: وبالله التوفيق هذا الكلام يناقض قولهم: إنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول, وإنّ ذاته تعالى علّة لجميع الممكنات من جملتها الجزئي الزماني, وأنه عالم بذاته والعجب أنهم كيف غفلوا عن هذا التناقض مع دعواهم الذكاء فهم بين أمور خمسة: الأوَّل: أنّ الجزئيات الزمانية لا تتناهي في سلسلة الحاجة إلى الواجب؛ لأنّها إذا لم تكن معلولة له لم يلزم من علمه بذاته العلم بها, لكنّه باطل بالإجماع, الثاني: أن يثبتوا انتهائها في سلسلة الحاجة إليه, لكن لم يقولوا: بأنّ العلّة التامّة إذا علمت بعلم تامّ لم يستلزم ذلك العلم بالمعلول وهذا ظاهر, الثالث: أن يقرّوا بأنهم عجزوا عن إثبات كونه تعالى عالِماً بذاته ويعتبره, فإنّه حينئذٍٍ لا يلزم من انتهائها إليه أنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول مع كونه عالِماً بها؛ لأنه ليس بعالم لذاته التي هي العلّة, لكنّه مسلّم عندهم, الرابع: أن لا يجعلوا العلم حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم, فإنّهم إذا لم يقولوا بذلك لا يلزمهم حصول الصورة في ذاته تعالى لكنه باطل غير مسلم عندهم قالوا إنا ندرك أشياء لا وجود لها في الخارج فلو لم تكن منطبعة في


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

388