عنوان الكتاب: شرح العقائد النسفية

بعث الرسل وإظهار المعجزة وتعيـين الشرائع ونصب الإمام, أو في الآخرة كالمعاد الجسماني والحشر والنشر والسؤال والحساب وعذاب القبر, ولا ريب في موضوعية ذات الله تعالى علم العقائد, أمّا علم الكلام فقد اختلف في موضوعه فزعم كلّ ما خالج نفسه ولا يتعلّق لغرضنا به في هذه الرسالة الوجيزة, بل الجوهرة العزيزة وإنّما بيّناه تفصيلاً في الكتب الأخر, وما قيل: من أنّ موضوع العلم لا يبحث فيه عنه, بل من أحواله فذات الله ليس موضوعاً لعلم العقائد؛ لأنه يبحث عنه فيه فهو مدفوع بأنّ هذه المسألة ليست من هذا العلم في الأصل, بل لَمَّا لم يجدوا في الإسلام علماً أعلى من هذا العلم, وكانت هذه المسألة مهتمّة لها كثير اهتمام أدخلوها في هذا العلم, وذلك ظاهر على من رأى عقائد السلف, فإنّهم كانوا لا يبحثون عن إثبات الواجب وإنّما تكلّم بها المتأخّرون, لَمَّا رأو البعض الفِرَق كالدهرية ينكرون هذه المسألة مع أنها أمّ العقائد.

قوله: [لو لم يكن موجود...آهـ] تفصيل هذا الدليل أنّ العقل يقسّم الموجود في أوَّل النظر إلى ما يجب وجوده بالنظر إلى ذاته ما يجوز عليه الوجود والعدم بالنظر إلى ذاته, والأوَّل هو الواجب والثاني هو الممكن, أمّا الممكن فوجوده بديهي لا يحتاج إلى بيان لما نشاهد من عدم بعض الموجودات سابقاً أو لاحقاً أو سابقاً ولاحقاً, وأمّا الواجب فيحتاج إلى بيان, وبيانه: أنّ النظر في مفهوم الوجود يعطي أنه لا يمكن تحقّقه إلاَّ به لو انحصر الموجود في الممكن لم يتحقّق موجود أصلاً, بيان الملازمة أنه على هذا التقدير تحقّق الممكن إمّا نفسه وهو محال بداهة أو بغيره, وذلك الغير أيضاً ممكن, فإمّا أن يتسلسل الآحاد إلى غير النهاية أو يدور, وعلى التقديرين يكون انتفاء الآحاد بأسرها بأن لا يوجد شيء منهما, فيكون وجود كلّ واحد من تلك الممكنات غير مستند إلى سبب مرجّح وجوده على عدمه وهو محال؛ لأنّ الممكن ما لم يجب لم يوجد, ولا يتحقّق الوجوب إلاّ إذا امتنع جميع أنحاء العدم, وهذا الامتناع في الممكنات الصرفة بدون الواجب غير متحقّق لجواز انتفاء كلّ منها في ضمن انتفاء الكلّ فتدبّر.

أقول: تقرير هذا الدليل على وجه لا يتوقّف على إبطال الدور والتسلسل مع لطافة أخرى يتوقّف على تمهيد مقدّمتين: إحداهما: تصورية والأخرى: تصديقية, أمّا الأولى فهي أن يقال: إنّ مرادنا بالموجب التامّ هو الكافي في وجود أثره أي: لا يحتاج في إيجاد الأثر إلى أمر خارج عن ذاته,


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

388