عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

 

 

٢٨      وَلا تزوَّدت قَبلَ الْمَوْت نَافِلَةً        وَلَمْ اصَلِّ سِوَى فَرضٍ وَلَمْ اصُمِ

 

لَمَّا كان قوله فيما سبق ½لكن ما ائتمرت به¼ نظريا وخفيا بينه وكشفه فقال: ½ولا تزودت... الخ¼، الواو عاطفة، وتكرير ½لا¼ لتاكيد النفي، و½التزوّد¼ من باب التفعّل من الزاد وهو الطعام الذي اتخذ للسفر، والمراد منه هنا الطاعات والعبادات، ففيه استعارة مكنية شبه نفسه في الذهن بالرجل الذي يريد السفر في كونهما محتاجين لاتخاذ ما يلزم لهما فكما ان مريد السفر من مكان يلزم له اتخاذ الزاد والراحلة فكذلك يلزم للنفس التي تريد السفر من الدنيا الى الاخرة اتخاذ زاد وهو تقوى الله والاعمال الصالحة ثم استعير في الذهن الرجل الذي يريد السفر ثم في الخارج ذكر المشبه اعني نفسه حيث ذكر بضمير التكلّم واريد المشبه نفسه، وللرمز والاشارة الى هذه الاستعارة التي في الذهن اثبت التزود الذي من لوازم المشبه به للمشبه وهذا الاثبات تخييلية، ويحتمل ان يكون في ½تزوّدت¼ استعارة مصرحة وتبعية بان يشبه كسب العبادات والاتقاء والسير الى الله باتخاذ الزاد للسفر في كونهما منتفعا بهما، ثم استعير التزود الذي هو اتخاذ الزاد للسفر للاتقاء من الله الذي هي اتخاذ الزاد للاخرة فذكر التزود الذي هو اتخاذ الزاد للسفر واريد منه كسب العبادات والاتقاء من الله، وبتبعية هذه الاستعارة اشتقّ صيغة ½تزودت¼ من المصدر الذي هو التزوّد، وصيغة ½اتقيت من الله¼ من المصدر الذي هو الاتقاء وشبه ½اتقيت¼ بصيغة تزودت ثم ذكر هيئة تزودت واريد اتقيت، ونكتة المجاز اي التعبير بـ½تزودت¼ دون اتقيت، وتنفلت اشارة الى ان الدنيا دار رحلة، والناس عابروا سبيل فلابد من الزاد و اثاث السفر كما قال عليه السلام: كُنْ في الدنيا كانّك غريب او عابر سبيل وعُد نفسك من اصحاب القبور[1]، فكما انّ الزاد وصلة الى قرب المقصود كذلك النافلة وصلة الى قرب الله تعالى كما قال تعالى في الحديث القدسي: لا يزال العبد يتقرب الىّ بالنوافل حتى احبه[2]، وقوله: ½نافلة¼ بالنصب مفعول ½تزودت¼ والمراد من النافلة قربة ليست بواجب ولا فرض وقوله: ½ولم اصل¼ عطف تفسير لِمَا قبله ودفع


 



[1]     "سنن الترمذي"، كتاب الزهد، باب ما جاء في قصر الأمل، الحديث: ٢٣٤٠، ٤/١٤٩.

[2]     "كنز العمال"، حرف الهمزة، الحديث: ١١٥٣، ١/١٢٧.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310