عنوان الكتاب: قصيدة البردة مع شرحها عصيدة الشهدة

وكونهما مثبتين لدعوى من ادعى المحبة، ومبطلين لدعوى من انكر المحبة بالهيئة المنتزعة من الامور المحسوسة، وهي كون الشاهدين في الخارج مثبتين لدعوى رجل على رجل اخر منكر، ومبطلين لدعوى المنكر ونحو ذلك، ثم استعير الهيئة المنتزعة من الامور المحسوسة للهيئة المنتزعة من الامور الغير المحسوسة، فذكر المشبه واريد المشبه به، فعلى هذا تجري استعارة مصرحة في مفردات هذه الامور بان يشبه الشاهد بالدمع المنسجم ثمّ ذكر المنسجم واريد الشاهد، وقِس عليه السائر، تدبر.

 

٥   لَوْلا الْهَوَى لَمْ ترقْ دمْعًا عَلَى طَلَلِ      وَلا ارقْت لِذكْر الْبانِ وَالْعَلَمِ

 

ثمّ شرع في اثبات دعواه بدليل اخر ايضا للتاكيد والتقوية وللاشارة الى ان دعواه صادقة غير زور وبهتان، فقال: ½لولا الهوى... الخ¼، يعني ان سلطان المحبة في مدينة قلبك، ولو لم يكن سلطان المحبة في مدينة قلبك لم ترق دمعا على طلل، ولا ارقت لذكر البان والعلم، لكن التالي باطل، والمقدم مثله، فثبت نقيضه. ثمّ انّ ½لولا¼ يستعمل على اربعة اوجه: الاول: انه يدخل على جملة اسمية، ويكون لامتناع الشيء لوجود غيره، وخبر المبتدا بعده واجب الحذف، والثاني: ان يكون للتحضيض والعرض، فتختص بالمضارع، والثالث: ان يكون للتوبيخ والتنديم، فتختص بالماضي، والرابع: للاستفهام، وهنا من قبيل الاول، فتقديره ½لولا الهوى موجود فيك¼. و½الهوى¼ بالقصر مصدر هَوِيَ من باب علم، او هَوَى من باب ضرب، وهو هاهنا بمعنى العشق والمحبة لان الهوى يجيء على ثلاثة معان: الاول: ميل النفس الى ما لا يقتضيه الشرع، وهو مذموم كما في قوله تعالى: ﴿ افَرءَيۡت مَنِ ٱتخذ الَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ ﴾ [الجاثية: ٢٣] والثاني: العشق، والثالث: بمعنى المَهْوِيّ اي: المحبوب كما في قوله: هَوَاي مَعَ الركْب الْيَمَانِيْنَ مُصْعِد،

ويحتمل ان يكون المراد من الهوى المعنى الثالث ايضا، ويكون الالف واللام عوضا عن المضاف اليه اي: لولا محبوبك. و½لم ترق¼ مضارع من ½اراقَ يُريْقُ¼ اصله ½يُروِقُ¼ فَاعِلَّ كاعلال ½يُقِيْمُ¼، ثم دخل عليه الجازم، فحذفت الياء، والاراقة بمعنى الصَّب كما في قول ابن الحاجب حين قتله:

ارى قَدمِي اراقَ دمِيْ       وَهَانَ دمِيْ وَهَا نَدمِيْ


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

310